صفحة رقم ١٠٣
يمتنع في حقه ( ﷺ ).
وقال القاضي عياض في كتابه الشفاء في الجواب عن قوله عفا الله عنك لم أذنت لهم : أنه أمر لم يتقدم للنبي ( ﷺ ) فيه من الله تعالى نهي فيعد معصية ولا عده تعالى عليه معصية بل لم يعده أهل العلم معاتبة وغلطوا من ذهب إلى ذلك قال نفطويه : وقد حاشاه لله من ذلك بل كان مخيراً في أمرين قالوا : وقد كان له أن يفعل ما يشاء فيما لم ينزل عليه فيه وحي فكيف وقد قال الله سبحانه وتعالى له فأذن لمن شئت منهم فلما أذن لهم أعلمه الله بما لم يطلع عليه من سرهم أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا وأنه لا حرج عليه فيما فعل وليس عفا هنا بمعنى غفر بل كما قال النبي ( ﷺ ) عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق ولم تجب عليهم قط أي يلزمكم ذلك ونحوه للقشيري قال : وإنما يقول العفو لا يكون إلا عن ذنب من لم يعرف كلام العرب قال ومعنى عفا الله عنك أي لم يلزمك ذنب.
قال الداودي : إنها تكرمة.
وقال مكي : هو استفتاح كلام مثل أصلحك الله وأعزك وحكى السمرقندي أن معناه عفاك الله.
وقيل معناه : أدام الله لك العفو لم أذنت لهم يعني في التخلف عنك وهذا يحمل على ترك الأولى والأكمل لا سيما وهذه كانت من جنس ما يتعلق بالحروب ومصالح الدنيا ) حتى يتبين لك الذين صدقوا ( يعني في اعتذارهم ) وتعلم الكاذبين ( يعني فيما يعتذرون به.
قال ابن عباس : لم يكن رسول الله ( ﷺ ) يعرف المنافقين يومئذ حتى نزلت براءة.
قوله سبحانه وتعالى :( لا يستأنذك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ( أي في أن يجاهدوا وإنما حسن هذا الحذف لظهوره ) والله عليم بالمتقين ( يعني الذين يتقون لمخالفته ويسارعون إلى طاعته ) إنما يستأذنك ( يعني في التخلف عن الجهاد معك يا محمد من غير عذر ) الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ( وهم المنافقون لقوله ) وارتابت قلوبهم ( يعني شكت قلوبهم في الإيمان وإنما أضاف الشك والارتياب إلى القلب لانه محل المعرفة والإيمان أيضاً فإذا داخله الشك كان ذلك نفاقاً ) فهم في ريبهم يترددون ( يعني أن المنافقين متحيرون لا مع الكفار ولا مع المؤمنين وقد اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية.
فقيل : إنها منسوخة بالآية التي في سورة النور وهي قوله سبحانه وتعالى إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم وقيل إنها محكمات كلها ووجه الجمع بين هذه الآيات أن المؤمنين كانوا يسارعون إلى طاعة الله وجهاد عدوهم من غير استئذان فإذا عرض لأحدهم عذراً استأذن في التخلف فكان رسول الله ( ﷺ ) مخيراً في الإذن لهم بقوله تعالى فأذن لمن شئت منهم وأما المنافقون فكانوا يستأذنون في التخلف من غير عذر فعيرهم الله تعالى بهذا الاستئذان لكونه بغير عذر.
التوبة :( ٤٦ - ٤٨ ) ولو أرادوا الخروج...
" ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون " ( ) ولو أرادوا الخروج ( يعني إلى الغزو معكم ) لأعدوا له عدة ( لتهؤوا له بإعداد آلات السفر وآلات القتال من الكراع والسلاح ) ولكن كره الله انبعاثهم ( يعني خروجهم إلى الغزو معكم ) فثبطهم ( يعني منعهم وحبسهم عن الخروج معكم والمعنى أن الله سبحانه وتعالى كره خروج المنافقين مع النبي ( ﷺ ) فصرفهم عنه وهاهنا يتوجه سؤال وهو أن خروج المنافقين مع النبي ( ﷺ ) إما أن يكون فيه مصلحة أو مفسدة فإن كان فيه مصلحة فلم قال : ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم، وإن كان فيه مفسدة.
فلم