صفحة رقم ١١٠
قال أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأثبت لهم ملكاً مع اسم المسكنة لأن السفينة من سفن البحر تساوي دنانير كثيرة ولأن الغنى والفقر ضدان والمسكنة قسم ثالث بينهما فثبت بهذا أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين وحجة أبي حنيفة ومن وافقه على أن المسكين أسوأ حالاً من الفقير قوله أو مسكيناً ذا متربة وصف المسكين بكونه ذا متربة وهو الذي لصق جلده بالتراب وهذا يدل على غاية الضر والشدة ولأن الله تعالى جعل الكفارات للمساكين فلو لم يكن المسكين أشد حاجة من غيره لما جعلها له واحتج أيضاً بقول الراعي : أما الفقير الذي كانت حلوبته
وفق العيال فلم يترك له سبد
واحتج أيضاً بقول الأصمعي وأبي عمرو بن العلاء أن الفقير الذي له ما يأكل والمسكين الذي لا شيء له وكذا قال القتيبي : الفقير الذي له البلغة من العيش والمسكين الذي لا شيء له وقيل : الفقير الذي له المسكن والخادم والمسكين الذي لا ملك له وقيل : إن كل محتاج إلى شيء فهو مفتقر إليه وإن كان غنياً عن غيره قال الله سبحانه وتعالى : أنتم الفقراء إلى الله فأثبت لهم اسم الفقر مع وجدان المال والجواب عن هذه الحجج أما قوله أو مسكيناً ذا متربة فهو حجة لمذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه لأنه قيد المسكين المذكور هنا بكونه ذا متربة فدل على أنه قد يوجد مسكين لا بهذه الصفة وإلا لم يبق لهذا القيد فائدة والجواب عن جعل الكفارات للمسكين أنه هو الفقير الذي لصق جلده بالتراب من شدة المسكنة والجواب عن الاستدلال ببيت الراعي إنه ذكر الفقير وجده فكل فقير أفرد بالاسم جاز إطلاق المسكين عليه فسقط الاستدلال به وأما الروايات المذكورة فهي معارضة بما تقدم من الروايات عن ابن عباس وغيره من المفسرين.
وبالجملة أن الفقر والمسكنة عبارتان عن شدة الحاجة وضعف الحال فالفقير هو الذي كسرت الحاجة فقار ظهره والمسكين هو الذي ضعفت نفسه وسكنت عن الحركة في طلب القوت.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عيله وسلم قال :( لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ) أخرجه النسائي وأبو داود وله في رواية أخرى ( ولا لذي مرة قوي ) عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال ( أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي ( ﷺ ) وهو في حجة الوداع وهو يقسم الصدقات فسألاه منها فرفع فينا النظر وخفضه فرآنا جلدين فقال إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ) أخرجه أبو داود والنسائي وأخرجه الشافعي ولفظه ( أن رجلين أتيا رسول الله ( ﷺ ) فسألاه عن الصدقة فقال : إن شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب ) واختلف العلماء في حد الغنى الذي يمنع من أخذ الصدقة فقال الأكثرون حده أن يكون عنده ما يكفيه وعياله سنة وهو قول مالك والشافعي.
وقال أصحاب الرأي : حده أن يملك مائتي درهم.
وقال قوم : من ملك خمسين درهماً أو قيمتها لا تحل له الصدقة لما روي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( ﷺ ) :( من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجه خموش أو خدوش أو كدوح قيل يا رسول الله وما يغنيه قال :


الصفحة التالية
Icon