صفحة رقم ١١٨
نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون " ( قوله سبحانه وتعالى :( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ( الآية وسبب نزولها على ما قال زيد بن أسلم أن رجلاً من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك : ما لقرائنا أرغبنا بطوناً وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء ؟ فقال له عوف بن مالك : كذبت ولكنك منافق ولأخبرن رسول الله ( ﷺ ) فذهب عوف إلى رسول الله ( ﷺ ) ليخبره فوجد القرآن قد سبقه.
قال زيد : قال عبد الله بن عمر : فنظرت إليه، يعني إلى المنافق، متعلقة بحقب ناقة رسول الله ( ﷺ ) تنكبه الحجارة يقول إنما كنا نخوص ونلعب فيقول له رسول الله ( ﷺ ) :( أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ) ما يزيده قال محمد بن إسحاق الذي قال هذه المقالة فيما بلغني هو وديعة بن ثابت أخو أمية بن زيد بن عمرو بن عوف.
وقال قتادة :( بينا رسول الله عليه وسلم يسير في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين فقالوا يرجوا هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات فأطلع الله نبيه محمداً ( ﷺ ) على ذلك فقال نبي ( ﷺ ) احبسوا على الركب فأتاهم فقال قلتم كذا وكذا فقالوا يا نبي الله كنا نخوض ونلعب فأنزل الله فيهم ما تسمعون ) وقال الكلبي ومقاتل :( كان رسول الله ( ﷺ ) يسير في غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة نفر من المنافقين اثنان منهم يستهزئان بالقرآن والرسول والثالث يضحك ) قيل كانوا يقولون إن محمداً يزعم أنه يغلب الروم ويفتح مدائنهم ما أبعده من ذلك.
وقيل : كانوا يقولون إن محمداً يزعم أنه أنزل في أصحابنا قرآن إنما هو قوله وكلامه فأطلع الله نبيه ( ﷺ ) على ذلك.
فقال : احبسوا على الركب فدعاهم.
وقال لهم :( قلتم كذا وكذا ) فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب، ومعنى الآية : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عما كانوا يقولون فيما بينهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب يعني كنا نتحدث ونخوض في الكلام كما يفعله الركب يقطعون الطريق باللعب والحديث، وأصل الخوض : الدخول في مائع كالماء مع الطين كثر استعماله حتى صار يستعمل في كل دخول مع تلويث وأذى ) قل ( أي قل يا محمد لهؤلاء المنافقين ) أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ( فيه توبيخ وتقريع للمنافقين وإنكار عليهم والمعنى كيف تقدمون على إيقاع الاستهزاء بالله يعني بفرائض الله وحدوده وأحكامه والمراد بآياته كتابه وبرسوله محمد ( ﷺ ) فيحتمل أن المنافقين لما قالوا كيف يقدر محمد على أخذ حصون الشام.
قال بعض المسلمين : الله يعينه على ذلك فذكر بعض المنافقين كلاماً يشعر بالقدح في قدرة الله وإنما ذكروا ذلك على طريق الاستهزاء.
قوله عز وجل :( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ( يعني قل لهؤلاء المنافقين لا تعتذروا بالباطل.
ومعنى الاعتذار محو أثر الموجدة من قلب المعتذر إليه.
وقيل : معنى العذر قطع اللائمة على الجاني.
قد كفرتم بعد إيمانكم : يعني الاستهزاء بالله كفر والإقدام عليه يوجب الكفر فلهذا قال سبحانه وتعالى لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم فإن قلت إن المنافقين لم يكونوا مؤمنين فكيف قال قد كفرتم بعد إيمانكم.
قلت : معناه أظهرتهم الكفر بعد ما كنتم قد أظهرتم الإيمان وذلك أن المنافقين كانوا يكتمون الكفر ويظهورن الإيمان فلما حصل ذلك الاستهزاء منهم وهو كفر قيل لهم قد كفرتم بعد إيمانكم.
وقيل : معناه قد كفرتم عند المؤمنين بعد أن كنتم عندهم مؤمنين.
وقوله سبحانه وتعالى :( إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ( ذكر المفسرون أن الطائفتين كانوا ثلاثة فالواحد طائفة والاثنان طائفة.
والعرب توقع لفظ الجمع على الواحد فلهذا أطلق لفظ الطائفة على الواحد.
قال محمد بن إسحاق : الذي عفى عنه رجل واحد وهو مخشى بن حمير الأشجعي يقال إنه هو الذي كان يضحك ولا يخوض.
وقيل : إنه كان يمشي مجانباً لهم وينكر بعض ما يسمع فكان ذنبه أخف فلما نزلت الآية تاب من نفاقه ورجع إلى الإسلام وقال : اللهم إني لا أزال أسمع آية تقرأ عني بها تقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم اجعل وفاتي قتلاً في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت، فأصيب يوم اليمامة ولم يعرف أحد من المسلمين مصرعه قوله سبحانه وتعالى :( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ( يعني أنهم على أمر واحد ودين واحد مجتمعون على النفاق والأعمال الخبيثة كما يقول الإنسان لغيره أنا منك وأنت مني أي أمرنا واحد لا مباينة فيه ) يأمرون بالمنكر ( يعني يأمر بعضهم بعضاً بالشرك والمعصية وتكذيب الرسول ( ﷺ ) ) وينهون عن المعروف ( يعني عن الإيمان والطاعة وتصديق الرسول ( ﷺ ) ) ويقبضون أيديهم ( يعني عن الإنفاق في سبيل الله تعالى وفي كل خير ) نسوا الله فنسيهم ( هذا الكلام لا يمكن إجراؤه على ظاهره لأنا لو حملناه على


الصفحة التالية
Icon