صفحة رقم ١٢٧
) إلى يوم يلقونه ( يعني أنه سبحانه وتعالى حرمهم التوبة إلى يوم القيامة فيوافونه على النفاق فيجازيهم عليه ) بما أخلفوا الله ما وعدوه ( يعني الصدقة والإنفاق في سبيله ) وبما كانوا يكذبون ( يعني في قولهم لنصدقن ولنكونن من الصالحين عن أبي هريرة أن رسول الله ( ﷺ ) قال :( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله ( ﷺ ) :( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خلة وفي رواية خصلة منهن كان فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر ) قال الشيخ محيي الدين النووي : هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلاً من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقاً بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ولا هو منافق مخلد في النار فإن أخوة يوسف عليه السلام جمعوا هذه الخصال وكذا قد يوجد لبعض السلف ولبعض العلماء بعض هذه أو كله.
قال الشيخ : هذا ليس بحمد الله إشكالاً ولكن اختلف العلماء في معناه فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار أن معناه هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها يشبه المنافقين في هذه الخصال ويتخلق بأخلاقهم فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه وهذا موجود في صاحب هذه الخصال فيكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر ولم يرد النبي ( ﷺ ) بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار وقوله ( ﷺ ) كان منافقاً خالصاً معناه كان شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال قال بعض العلماء وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه فأما من ندر ذلك منه فليس ذلك حاصلاً فيه هذا هو المختار في معنى الحديث.
وقال جماعة من العلماء : المراد به المنافقون الذين كانوا في زمن النبي ( ﷺ ) فإنهم حدثوا في أيمانهم فكذبوا وائتمنوا على دينهم فخافوا ووعدوا في أمر الدين ونصره فأخلفوا وفجروا في خصوماتهم وهذا قول سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ورجع إليه الحسن البصري بعد أن كان على خلافه، وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر وروياه أيضاً عن النبي ( ﷺ ) قال القاضي عياض : وإليه مال أكثر أئتمنا.
وحكى الخطابي قولاً آخر : إن معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال وحكى أيضاً عن بعضهم أن الحديث ورد في رجل بعينه منافق وكان النبي ( ﷺ ) لا يواجههم بصريح القول فيقولا فلان منافق وإنما يشير إشارة كقوله ( ﷺ ) :( ما بال أقوام يفعلون كذا ) والله أعلم.
وقال الإمام فخر الدين الرازي : ظاهر هذه الآية يدل على أن نقض العهد وخلف الوعد يورث النفاق فيجب على المسلم أن يبالغ في الاحتراز عنه فإذا عاهد الله في أمر فليجتهد في الوفاء به.
وقوله سبحانه وتعالى :( ألم يعلموا ( يعني هؤلاء المنافقين ) أن الله يعلم سرهم ( يعني ما تنطوي عليه صدورهم من النفاق ) ونجواهم ( يعني ويعلم ما يفاوض به بعضهم بعضاً فيما بينهم والنجوى هو الخفي من الكلام يكون بين القوم والمعنى أنهم يعلمون أن الله يعلم جميع أحوالهم لا يخفى عليه شيء منها ) وأن الله علام الغيوب ( وهذا مبالغاً في العلم يعني أن الله عالم بجميع الأشياء فكيف تخفى عليه أحوالهم.
قوله عز وجل :( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات (