صفحة رقم ١٣١
فاخرج فوضعه على ركبتيه ونفث فيه من ريقه وألبسه قميصه والله أعلم.
قال : وكان كسا عباساً قميصاً قال سفيان وقال أبو هارون : وكان على رسول الله ( ﷺ ) قميصان فقال له ابن عبد الله يا رسول الله ألبس عبد الله قميصك الذي يلي جلدك.
قال سفيان : فيرون أن النبي ( ﷺ ) ألبس عبد الله قميصه مكافأة لما صنع وفي رواية عن جابر قال : لما كان يوم بدر أتى بالأسارى وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي ( ﷺ ) له قميصاً فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه النبي إياه فلذلك نزع النبي ( ﷺ ) قميصه الذي ألبسه.
( فصل )
قد وقع في هذه الأحاديث التي تتضمن قصة موت عبد الله بن أبي بن سلول المنافق صورة اختلاف في الروايات ففي حديث ابن عمر المتقدم، أنه لما توفي عبد الله بن أبي سلول أتى ابنه عبد الله إلى رسول الله ( ﷺ ) فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه وأن يصلي عليه فأعطاه قميصه وصلى عليه وفي حديث عمر بن الخطاب من إفراد البخاري أن رسول الله ( ﷺ ) دعى له ليصلي عليه.
وفي حديث جابر : أن النبي ( ﷺ ) أتاه بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه.
قميصه ووجه الجمع بين هذه الروايات أنه ( ﷺ ) أعطاه قميصه فكفن فيه ثم إنه ( ﷺ ) صلى عليه وليس في حديث جابر ذكر الصلاة عليه فالظاهر والله أعلم أنه صلى عليه أولاً كما في حديث عمر وابن عمر ثم إن رسول الله ( ﷺ ) أتاه ثانياً بعد ما أدخل حفرته فأخرجه منها ونزع عنه القميص الذي أعطاه وكفن فيه لينفث عليه من ريقه ثم إنه ( ﷺ ) ألبسه قميصه بيده الكريمة فعل هذا كله بعبد الله بن أبي تطييباً لقلب ابنه عبد الله فإنه كان صحابياً مسلماً صالحاً مخلصاً، وأما قول قتادة : إن رسول الله ( ﷺ ) عاده في مرضه وأنه سأله أن يستغفر له وأن يعطيه قميصه وأن يصلي عليه فأعطاه قميصه واستغفر له وصلى عليه ونفث في جلده ودلاه في حفرته فهذه جمل من القول ظاهرها الترتيب وما المراد بهذا الترتيب إلا توفيقاً بين الأحاديث فيكون قوله : ونفث في جلده ودلاه في قبره جملة منقطعة عما قبلها.
يعني أنه ( ﷺ ) فعل ذلك بعد ما أعطاه القميص وبعد أن صلى عليه والله أعلم.
وقال القرطبي في شرح صحيح مسلم له أن عبد الله بن أبي بن سلول كان سيد الخرزج في آخر جاهليتهم فلما ظهر النبي ( ﷺ ) وانصرف إليه الخزرج وغيرهم حسده وناصبه العداوة غير أن الإسلام غلب عليه فنافق وكان رأساً في المنافقين وأعظمهم نفاقاً وأشدهم كفراً وكان المنافقون كثيراً حتى لقد روى عن ابن عباس أنهم كانوا ثلثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة وكان ولده عبد الله يعني ولد عبد الله بن أبي من فضلاء الصحابة وأصدقهم إسلاماً وأكثرهم عبادة وأشرحهم صدراً وكان أبر الناس بأبيه ومع ذلك فقد قال يوماً للنبي ( ﷺ ) : يا رسول الله إنك لتعلم أني من أبر الناس بأبي وإن أمرتني أن آتيك برأسه فعلت فقال رسول الله ( ﷺ ) : بل نعفو عنه وكان من أحرص الناس على إسلام أبيه وعلى أن ينتفع من بركات النبي ( ﷺ ) بشيء ولذلك لما مات أبوه سأل النبي ( ﷺ ) أن يعطيه قميصه لكيفنه فيه فينال من بركاته فأعطاه وسأله أن يصلي عليه فصلى عليه كل ذلك