صفحة رقم ١٣٤
المنافقون والمعنى أن أخلصوا الإيمان بالله وجاهدوا مع رسوله وإنما قدم الأمر بالإيمان على الأمر بالجهاد لأن الجهاد بغير إيمان لا يفيد أصلاً فكأنه قيل للمنافقين : الواجب عليكم أن تؤمنوا بالله أولاً وتجاهدوا مع رسوله ثانياً حتى يفيدكم ذلك الجهاد فائدة يرجع عليكم نفعها في الدنيا والآخرة.
وقوله سبحانه وتعالى :( استأذك أولوا الطول منهم ( قال ابن عباس : يعني أهل الغنى وهم أهل القدرة والثروة والسعة من المال وقيل : هم رؤساء المنافقين وكبراؤهم وفي تخصيص أولى الطول بالذكر قولان : أحدهما أن الذم لهم ألزم لكونهم قادرين على أهبة السفر والجهاد.
والقول الثاني : إنما خص أولي الطول بالذكر لأأن العاجز عن السفر والجهاد لا يحتاج إلى الاستئذان ) وقالوا ( يعني أولي الطول ) ذرنا نكن مع القاعدين ( يعني في البيوت مع النساء والصبيان وقيل مع المرضى والزمنى ) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ( قيل : الخوالف النساء اللواتي يتخلفن في البيوت فلا يخرجن منها، والمعنى رضوا بأن يكونوا في تخلفهم عن الجهاد كالنساء وقيل : خوالف جمع خالفة وهم أدنياء الناس وسفلتهم يقال فلان خالفة قومه إذا كان دونهم ) وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ( يعني : وختم على قلوب هؤلاء المنافقين فهم لا يفقهون مراد الله في الأمر بالجهاد.
قوله سبحانه وتعالى :( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ( أي إن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا فقد جاهد من هو خير منهم يعني الرسول والمؤمنين ) وأولئك لهم الخيرات ( منافع الدارين النصر والغنيمة في الدنيا والجنة والكرامة في الآخرة وقيل الحور لقوله فيهن خيرات حسان وهي جمع خيرة تخفيف خيرة ) وأولئك هم المفلحون ( أي الفائزون بالمطالب.
قوله سبحانه وتعالى :( أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم ( بيان لما لهم من الخيرات الأخروية.
قوله سبحانه وتعالى :( وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ( يعني وجاء المعتذرون من أعراب البوادي إلى رسول الله ( ﷺ ) يعتذرون إليه في التخلف عن الغزو معه.
قال الضحاك : هم رهط عامر بن الطفيل جاؤوا إلى رسول الله ( ﷺ ) معتذرين إليه دفاعاً عن أنفسهم فقالوا يا نبي الله إن نحن غزونا معك تغير أعراب طيئ على حلائلنا وأولادنا ومواشينا فقال لهم رسول الله ( ﷺ ) :( قد أنبأني الله من أخباركم وسيغنى الله عنكم ) وقيل : هم نفر من بن غفار رهط خفاف بن إيماء بن رحضة.
وقيل : هم من أسد وغطفان.
وقال ابن عباس هم الذين تخلفوا بعذر فأذن لهم رسول الله ( ﷺ ).
وجاء المعذرون : أي المقصرون.
يعني : أنهم قصروا ولم يبالغوا فيما اعتذروا به والمعذر من يرى أن له عذراً ولا عذر له.
إن الأصل في هذا اللفظ عند النحاة المعتذرون أدغمت التاء في الذال لقرب مخرجيهما والاعتذار في كلام العرب على قسمين يقال اعتذر إذا كذب في عذره ومنه قوله تعالى يعتذرون إليكم فرد الله عليهم بقوله قل لا تعتذروا فدل ذلك على فساد عذرهم وكذبهم فيه ويقال اعتذر إذا أتى بعذر صحيح ومنه قول لبيد :
٨٩ ( ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر ) ٨٩
يعني فقد جاء بعذر صحيح.
وقيل : هو من التعذير الذي هو التقصير.
يقال : عذر تعذيراً إذا قصروا ولم يبالغ فعلى هذا المعنى، يحتمل أنهم كانوا صادقين في اعتذارهم وأنهم كانوا كاذبين ومن المفسيرين من قال :