صفحة رقم ١٤٣
على حاله كما هو مذهبنا فإن عندنا القول بالإحباط باطل فالطاعة تبقى موجبة للمدح والثواب والمعصية تبقى موبجة للذم والعقاب فقوله سبحانه وتعالى خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً فيه تنبيه على نفي القول بالمحابطة وأنه بقي كل واحد منهما كما كان من غير أن يتأثر أحدهما بالآخر فليس إلا الجمع الملطق.
وقال الواحدي : العرب تقول خالطت الماء باللبن وخلطت الماء واللبن كما تقول جمعت زيداً وعمراً.
والواو في الآية أحسن من الباء لأنه أريد معنى الجمع لا حقيقة الخلط.
ألا ترى أن العمل الصالح لا يختلط بالسيئ كما يختلط الماء باللبن لكن قد يجمع بينهما وقوله سبحانه وتعالى :( عسى الله أن يتوب عليهم ( قال ابن عباس وجمهور المفسرين : عسى من الله واجب والدليل عليه قوله سبحانه وتعالى : فعسى الله أن يأتي بالفتح وقد فعل ذلك.
وقال أهل المعاني : لفظة عسى هنا تفيد الطمع والإشفاق لأنه أبعد من الاتكال والإهمال.
وقيل : إن الله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بل كل ما يفعله على سبيل التفضل والتطول والإحسان فذكر لفظة عسى التي هي للترجي والطمع حتى يكون العبد بين الترجي والإشفاق ولكن هو إلى نيل ما يرجوه منه أقرب لأنه ختم الآية بقوله ) إن الله غفور رحيم ( وهذا يفيد إنجاز الوعد.
التوبة :( ١٠٣ ) خذ من أموالهم...
" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم " ( قوله سبحانه وتعالى :( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها (.
قال ابن عباس : لما أطلق رسول الله ( ﷺ ) أبا لبابة وصاحبيه انطلق أبو لبابة وصاحبة فأتوا بأموالهم إلى رسول الله ( ﷺ ) فقالوا : خذ أموالنا وتصدق بها عنا وصل علينا يريدون استغفر لنا وطهرنا.
فقال رسول الله ( ﷺ ) :( لا آخذ شيئاً منها حتى أومر به )، فأنزل الله عز وجل : خذ من أموالهم صدقة الآية، وهذا قول زيد بن أسلم وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك.
ثم اختلف العلماء في المراد بهذه الصدقة فقال بعضهم : هو راجع إلى هؤلاء الذين تابوا وذلك أنهم بذلوا أموالهم صدقة فأوجب الله سبحانه وتعالى أخذها وصار ذلك معتبراً في كمال توبتهم لتكون جارية مجرى الكفارة.
وأصحاب هذا القول يقولون ليس المراد بها الصدقة الوجبة.
وقال بعضهم : إن الزكاة كانت واجبة عليهم فلما تابوا من تخلفهم عن الغزوة وحسن إسلامهم وبذلوا الزكاة أمر الله سبحانه وتعالى رسوله ( ﷺ ) أن يأخذها منهم وقال بعضهم إن الآية كلام مبتدأ والمقصود منها إيجاب أخذها من الأغنياء ودفعها إلى الفقراء وهذا قول أكثر


الصفحة التالية
Icon