صفحة رقم ١٥٠
المراد من هذه الطهارة الطهارة من الذنوب والمعاصي وهذا القول متعين لوجوه :
الأول : أن التطهر من الذنوب هو المؤثر في القرب من الله عز وجل واستحقاق ثوابه ومدحه.
الوجه الثاني : أن الله سبحانه وتعالى وصف أصحاب مسجد الضرار بمضارة المسلمين والتفريق بينهم والكفر بالله وكون هؤلاء يعني أهل قباء بالضد من صفاتهم وما ذاك إلا لكونهم مبرئين من الكفر والمعاصي وهي الطهارة الباطنية.
الوجه الثالث : إن طهارة الظاهر إنما يحصل لها أثر عند الله إذا حصلت الطهارة الباطنية من الكفر والمعاصي وقيل يحتمل أنه محمول على كلا الأمرين يعني طهارة الباطن من الكفر والنفاق والمعاصي وطهارة الظاهر من الأحداث والنجاسات بالماء ) والله يحب المطهرين ( فيه مدح لهم وثناء عليهم والرضا عنهم بما اختاروه لأنفسهم من المداومة على محبة الطهارة.
التوبة :( ١٠٩ ) أفمن أسس بنيانه...
" أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين " ( قوله سبحانه وتعالى :( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان ( يعني طلب ببنائه المسجد الذي بناه تقوى الله ورضاه.
والمعنى : أن الباني لما بنى ذلك البناء كان قصده تقوى الله وطلب رضاه وثواب ) خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار ( الشفا : هو الشفير وشفا كل شيء حرفه ومنه يقال : أشفى على كذا إذا دنا منه وقرب أن يقع فيه.
والجرف : المكان الذي أكل الماء تحته فهو إلى السقوط قريب وقال أبو عبيد : الجرف هو الهوة وما يجرفه السيل من الأودية فينحفر بالماء فيبقى واهياً هار أي هائر وهو الساقط فهو من هار يهور فهو هائر وقيل : هو من هاريها إذا تهدم وسقط وهو الذي تداعى بعضه في أثر بعض كما يهار الرمل والشيء الرخو ) فانهار به ( يعني سقط بالباني ) في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ( والمعنى أن بناء هذا المسجد الضرار كالبناء على شفير جهنم فيهور بأهله فيها.
وهذا مثل ضربه الله تعالى للمسجدين مسجد الضرار ومسجد التقوى مسجد قباء أو مسجد الرسول ( ﷺ ) ومعنى المثل : أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة قوية محكمة وهو الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه خير أم من أسس دينه على أضعف القواعد وأقلها بقاء وثباتاً وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل بناء على غير أساس ثابت وهو شفا جرف هار وإذا كان كذلك كان أسرع إلى السقوط في نار جهنم ولأن الباني الأول قصد ببنائه تقوى الله ورضوانه فكان بناؤه أشرف البناء، والباني الثاني قصد ببنائه الكفر والنفاق وإضرار المسلمين فكان بناؤه أخسّ البناء وكانت عاقبته إلى نار جهنم.
قال ابن عباس : صيرهم نفاقهم إلى النار.
وقال قتادة : والله ما تناهى بناؤهم حتى وقع في النار ولقد ذكر لنا أنه حفرت بقعة منه فرؤي الدخان يخرج منها.
وقال جابر بن عبد الله : رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار.
التوبة :( ١١٠ - ١١١ ) لا يزال بنيانهم...
" لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " ( ) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة ( يعني شكاً ونفاقاً ) في قلوبهم ( والمعنى : أن ذلك البنيان صار سبباً لحصول الريبة في قلوبهم، لأن المنافقين فرحوا ببناء مسجدهم، فلما أمر رسول الله ( ﷺ ) بتخريبه، ثقل ذلك عليهم وازدادوا غماً وحزناً وبغضاً لرسول الله ( ﷺ ) فكان سبب الريبة في قلوبهم.
وقيل : إنهم كانوا يحسبون أنهم محسنون في بنائه كما حبب العجل إلى بني إسرائيل فلما أمر رسول الله ( ﷺ ) بتخريبه، بقوا شاكّين مرتابين لأي سبب أمر بتخريبه.
وقال