صفحة رقم ١٦٠
بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل إن رسول الله ( ﷺ ) قد أظل قادماً زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبداً فأجمعت صدقه فأصبح رسول الله ( ﷺ ) قادماً وكان إذا قدم من سفره بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلاً فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله عز وجل حتى جئت لما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال لي ( تعالى ) فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال ( ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك ) قال قلت يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر لقد أعطيت جدلاً ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله، وفي رواية عفو الله عز وجل، والله ما كان لي عذر والله ما كنت قط أوقى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك قال فقال رسول الله ( ﷺ ) :( أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك ) فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي : والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا لقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله ( ﷺ ) بما اعتذر إليه المخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله ( ﷺ ) لك قال فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله ( ﷺ ) فأكذب نفسي.
قال : ثم قلت لهم هل لقي هذا أحد معي قالوا نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت وقيل لهما مثل ما قيل لك قلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العامري وهلال بن أمية الواقفي قال فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدوا بدراً ففيهما أسوة قال فمضيت حين ذكروهما لي ونهى رسول الله ( ﷺ ) المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه قال : فاجتنبنا الناس أو قال تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله ( ﷺ ) فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلم أم لا ثم أصلي قريباً منه وأسارقة النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إليّ فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله قال : فسكت فعدت فناشدته فسكت فعدت فناشدته فقال : الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام