صفحة رقم ١٦٤
والله أعلم.
قوله عز وجل :( حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ( يعني بما اتسعت والرحب سعة المكان والمعنى أنه ضاق عليهم المكان بعد أن كان واسعاً ) وضاقت عليهم أنفسهم ( يعني من شدة الغم والحزن ومجانبة الناس إياهم وترك كلامهم ) وظنوا ( يعني وأيقنوا وعلموا ) أن لا ملجأ ( يعني لا مفزع ولا مفر ) من الله إلا إليه ( ولا عاصم من عذابه إلا هو ) ثم تاب عليهم ( فيه إضمار وحذف تقديره وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه فرحمهم ثم تاب عليهم وإنما حسن هذا الحذف لدلالة الكلام عليه وقوله ثم تاب عليهم تأكيد لقبول تبوتهم لأنه قد ذكر توبتهم في قوله تعالى :( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( كما تقدم بيانه وأنه عطف على قوله ) لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ( " أي وتاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار أي وتاب الله على الثلاثة الذين خلفوا.
وقوله تعالى :( ليتوبوا ( معناه : أن الله سبحانه وتعالى تاب عليهم في الماضي ليكون ذلك داعياً لهم إلى التوبة في المستقبل فيرجعوا ويداوموا عليها وقيل إن أصل التوبة الرجوع ومعناه ثم تاب عليهم ليرجعوا إلى حالتهم الأولى يعني إلى عادتهم في الاختلاط بالناس ومكالمتهم فتسكن نفوسهم بذلك ) إن الله هو التواب ( يعني على عباده ) الرحيم ( بهم وفيه دليل على أن قبول التوبة بمحض الرحمة والكرم والفضل والإحسان وأنه لا يجب على الله تعالى شيء.
قوله عز وجل :( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ( يعني في مخالفة الرسول ( ﷺ ) ) وكونوا مع الصادقين ( يعني مع من صدق النبي ( ﷺ ) وأصحابه في الغزوات ولا تكونوا مع المتخلفين من المنافقين الذي قعدوا في البيوت وتركوا الغزو.
وقال سعيد بن جبير : مع الصادقين يعني مع أبي بكر وعمر.
قال ابن جريج : مع المهاجرين.
وقال ابن عباس : مع الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله ( ﷺ ) إلى تبوك بإخلاص نية.
وقيل : كونوا مع الذين صدقوا في الاعتراف بالذنب وهم يعتذرون بالأعذار الباطلة الكاذبة وهذه الآية تدل على فضيلة الصدق لأن الصدق يهدي إلى الجنة والكذب إلى الفجور كما ورد في الحديث.
وقال ابن مسعود : الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صاحبه شيئاً ثم لا ينجزه اقرأوا إن شئتم وكونوا مع الصادقين.
وروي أن أبا بكر الصديق احتج بهذه الآية على الأنصار في يوم السقيفة وذلك أن الأنصار قالوا : منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر : يا معشر الأنصار إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه للفقراء المهاجرين إلى قوله أولئك هم الصادقون من هم قالت الأنصار : أنتم هم فقال أبو بكر : إن الله تعالى يقول : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين فأمركم أن تكونوا معنا ولم يأمرنا أن نكون معكم نحن الأمراء وأنتم الوزراء وقيل مع بمعنى من والمعنى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين قوله سبحانه وتعالى :( ما كان لأهل المدينة ( يعني لساكني المدينة من المهاجرين والأنصار :


الصفحة التالية
Icon