صفحة رقم ١٨٧
ولا كسوف ولا غبار.
وقال ابن عباس : هو سواد الوجوه ) ولا ذلة ( يعني ولا هوان.
قال ابن أبي ليلى : هذا بعد نظرهم إلى ربهم تبارك وتعالى :( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( يعني أن هؤلاء الذين وصفت صفتهم هم أصحاب الجنة لا غيرهم وهم فيها مقيمون لا يخرجون منها أبداً.
قوله سبحانه وتعالى :( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ( اعلم أنه لما شرح الله سبحانه وتعالى أحوال المحسنين وما أعد لهم من الكرامة شرح في الآية حال من أقدم على السيئات والمراد بهم الكفار فقال سبحانه وتعالى : والذين كسبوا السيئات.
يعني : والذين عملوا السيئات والمراد بها الكفر والمعاصي جزاء سيئة بمثلها يعني فلهم جزاء السيئة التي عملوها مثلها العقاب.
والمقصود من هذا التقييد، التنبيه على الفرق بين الحسنات والسيئات لأن الحسنات يضاعف ثوابها لعاملها من الواحدة إلى العشرة إلى السبعمائة إلى أضعاف كثيرة وذلك تفضلاً منه وتكرماً.
وأما السيئات، فإنه يجازي عليها بمثلها عدلاً منه سبحانه وتعالى :( وترهقهم ذلة ( قال ابن عباس : يغشاهم ذل وشدة.
وقيل : يغشاهم ذل وهوان لعقاب الله إياهم ) ما لهم من الله من عاصم ( يعني ما لهم مانع يمنعهم من عذاب الله إذا نزل بهم ) كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً ( يعني كأنما ألبست وجوههم سواداً من الليل المظلم ) أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( قوله سبحانه وتعالى :( ويوم نحشرهم جميعاً ( الحشر الجمع من كل جانب وناحية إلى موضع واحد والمعنى ويوم نجمع الخلائق جميعاً لموقف الحساب وهو يوم القيامة ) ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ( أي الزموا مكانكم واثبتوا فيه حتى تسألوا وفي هذا وعيد وتهديد للعابدين والمعبودين ) أنتم وشركاؤكم ( يعني أنتم أيها المشركون والأصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله ) فزيلنا بينهم ( يعني : ففرقنا بين العابدين والمعبودين وميزنا بينهم وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا.
فإن قلت قوله سبحانه وتعالى فزيلنا بينهم جاء على لفظ الماضي بعد قوله ثم نقول للذين أشركوا وهو منتظر في المستقبل فما وجهه.
قلت : السبب فيه، أن الذي حكم الله فيه بأنه سيكون صار كالكائن الآن.
قوله :( وقال شركاؤهم ( يعني الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله وإنما سماهم شركاءهم، لأنهم جعلوا لهم نصيباً من أموالهم أو لأنه سبحانه وتعالى لما خاطب العابدين والمعبودين بقوله : مكانكم فقد صاروا شركاء في هذا الخطاب ) ما كنتم إيانا تعبدون ( تبرأ المعبودون من العابدين.
فإن قلت : كيف صدر هذا الكلام من الأصنام وهي جماد لا روح فيها ولا عقل لها ؟
قلت : يحتمل أن الله تعالى خلق لها في ذلك اليوم من الحياة والعقل والنطق حتى قدرت على هذا الكلام فإن قلت إذا أحياهم الله في ذلك اليوم فهل يفنيهم أو يبقيهم.
قلت : الكل محتمل ولا اعتراض على الله في شيء من أفعاله وأحوال القيامة غير معلومة إلا ما دل عليه الدليل من كتاب أو سنة.
فإن قلت : إن الأصنام قد أنكرت أن الكفار كانوا يعبدونها وقد كانوا يعبدونها ؟
قلت : قد تقدمت هذه المسألة وجوابها في تفسير سورة الأنعام ونقول هنا قال مجاهد : تكون في يوم القيامة ساعة تكون فيها شدة تنصب لهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله، فتقول الآلهة : والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم تعبدوننا فيقولون والله إياكم كنا نعبد فتقول لهم الآلهة.
يونس :( ٢٩ - ٣٢ ) فكفى بالله شهيدا...
" فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون " ( ) فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين (.
والمعنى قد علم الله وكفى به شهيداً


الصفحة التالية
Icon