صفحة رقم ٢٠٢
قومه ) بآياتنا فاستكبروا ( يعني عن الإيمان بما جاء به موسى وهارون ) وكانوا قوماً مجرمين ( يعني مستكسبين للإثم ) فلما جاءهم الحق من عندنا ( يعني فلما جاء فرعون وقومه الحق الذي جاء به موسى من عند الله ) قالوا إن هذا لسحر مبين ( يعني أن هذا الذي جاء به موسى سحر مبين يعرفه كل أحد ) قال موسى أتقولون للحق لمَّا جاءكم أسحر هذا ( فيه حذف تقديره أتقولون للحق لما جاءكم هو سحر أسحر هذا فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه ثم قال أسحر هذا وهو استفهام على سبيل الإنكار يعني أنه ليس بسحر ثم احتج على صحة قوله فقال ) ولا يفلح الساحرون ( يعني حاصل السحر تمويه وتخييل وصاحب ذلك لا يفلح أبداً ) قالوا ( يعني قال قوم فرعون لموسى ) أجئتنا لتلفتنا ( يعني لتصرفنا وتلوينا ) عما وجدنا عليه آباءنا ( يعني من الدين ) وتكون لكما الكبرياء ( يعني الملك والسلطان ) في الأرض ( يعني في أرض مصر والخطاب لموسى وهارون.
قال الزجاج : سمي الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا ) وما نحن لكما بمؤمنين ( يعني بمصدقين ) وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ( يعني أن فرعون أراد أن يعارض معجزة موسى بأنواع من التلبيس أن ما أتى به موسى سحر ) فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ( إنما أمرهم موسى بإلقاء ما معهم من الحبال والعصي التي فيها سحرهم ليظهر الحق ويبطل الباطل ويتبين أن ما أتوا به فاسد.
يونس :( ٨١ - ٨٣ ) فلما ألقوا قال...
" فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين " ( ) فلما ألقوا ( يعني ما معهم من الحبال والعصي ) قال موسى ما جئتم به السحر ( يعني الذي جئتم به هو السحر الباطل وهذا على سبيل التوبيخ لهم ) إن الله سيبطله ( يعني يكمله ويظهر فضيحة صاحبه ) إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( يعني لا يقويه ولا يكمله ولا يحسنه ) ويحق الله الحق ( يعني ويظهر الله الحق ويقويه ويعليه ) بكلماته ( يعني وعده الصادق لموسى أنه يظهره وقيل بما سبق من قضائه وقدره لموسى أنه يغلب السحرة ) ولو كره المجرمون (.
قوله سبحانه وتعالى :( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه ( لما ذكر الله عز وجل ما أتى به موسى عليه السلام من المعجزات العظيمة الباهرة أخبر الله سبحانه وتعالى أنه مع مشاهدة هذه المعجزات ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه وإنما ذكر الله عز وجل هذا تسلية لنبيه محمد ( ﷺ ) لأنه كان كثير الاهتمام بإيمان قومه وكان يغتم بسبب إعراضهم عن الإيمان به واستمرارهم على الكفر والتكذيب فبين الله سبحانه وتعالى أن له أسوة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن الذي جاء به موسى عليه السلام من المعجزات كان أمراً عظيماً ومع ذلك فما آمن معه إلا ذرية.
والذرية : اسم يقع على القليل من القوم، قال ابن عباس : الذرية القليل وقيل المراد به التصغير وقلة العدد واختلفوا في هاء الكناية في قومه فقيل إنها راجعة إلى موسى وأراد بها قوم موسى وهم بنو إسرائيل الذين كانوا معه بمصر من أولاده.
قال مجاهد : هم أولاد يعقوب الذين أرسل إليه موسى هلك الآباء وبقي الأبناء وقيل هم قوم نجوا من قتل فرعون لما أمر بقتل أبناء بني إسرائيل كانت المرأة في بني إسرائيل إذا ولدت ابناً وهبته لقبطية خوفاً