صفحة رقم ٢٠٦
صدور الشرك منه.
قوله عز وجل :( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ( أي : وقطعنا ببني إسرائيل البحر وعبرناهم إياه حتى جاوزوه وعبروه ) فأتبعهم فرعون وجنوده ( يعني لحقهم وأدركهم ) بغياً وعدواً ( أي ظلماً وعدواناً وقيل البغي طلب الاستعلاء بغير حق والعدو الظلم وقيل بغياً في القول وعدواً في الفعل.
قال أهل التفسير : اجتمع يعقوب وبنوه إلى يوسف وهم اثنان وسبعون وخرجوا مع موسى من مصر وهم ستمائة ألف وذلك أنه لما أجاب الله دعاء موسى وهارون أمرهما بالخروج ببني إسرائيل من مصر في الوقت الذي أمرهما أن يخرجا فيه بهم ويسر لهم أسباب الخروج وكان فرعون غافلاً فلما سمع بخروجهم ومفارقتهم مملكته خرج بجنوده في طلبهم فلما أدركهم قالوا لموسى أين المخلص والمخرج البحر أمامنا وفرعون وراءنا وقد كنا نلقى من فرعون البلاء العظيم فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وكشف الله عن وجه الأرض وألبس لهم البحر فلحقهم فرعون وكان على حصان أدهم وكان معه في عسكره ثمانمائة ألف حصان على لون حصانه سوى سائر الألوان وكان مقدمهم جبريل وكان على فرس أنثى وديق وميكائيل بسقوهم حتى لا يشد منهم أحد فلما خرج آخر بني إسرائيل من البحر دنا جبريل بفرسه فلما وجد الحصان ريح الأنثى لم يملك فرعون من أمره شيئاً فنزل البحر وتبعه جنوده حتى إذا اكتملوا جميعاً في البحر وهمّ أولهم بالخروج التطم البحر عليهم فلما أدرك فرعون الغرق أتى بكلمة الإخلاص ظناً منه أنها تنجيه من الهلاك وهو قوله تعالى :( حتى إذا أدركه الغرق قال ( يعني فرعون ) آمنت أنه لا إله إلا لذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ( قال ابن عباس : لم يقبل الله إيمانه عند نزول العذاب به وقد كان في مهل.
قال العلماء : إيمانه غير مقبول وذلك أن الإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير مقبولين ويدل عليه قوله تعالى :( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( " وقيل : إنه قال هذه الكلمة ليتوصل بها إلى دفع ما نزل به من البلية الحاضرة، ولم يكن قصده بها الإقرار بوحدانية الله تعالى والاعتراف له بالربوبية لا جرم لم ينفعه ما قال في ذلك الوقت.
وقيل : إن فرعون كان من الدهرية المنكرين لوجود الصانع الخالق سبحانه وتعالى : فلهذا قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل فلم ينفعه ذلك لحصول الشك في إيمانه ولما رجع فرعون إلى الإيمان والتوبة حين إغلق بابهما بحضورالموت ومعاينة الملائكة قيل له.
يونس :( ٩١ - ٩٣ ) آلآن وقد عصيت...
" آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " ( ) آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ( يعني الآن تتوب وقد أضعت التوبة في وقتها وآثرت دنياك الفانية على الآخرة الباقية، والمخاطب لفرعون بهذا هو جبريل عليه السلام وقيل الملائكة.
وقيل : إن القائل لذلك هو الله تعالى عرف فرعون قبح صنعه وما كان عليه من الفساد في الأرض ويدل على هذا القول قوله سبحانه وتعالى فاليوم ننجيك ببدنك، والقول الأول أشهر ويعضده ما روي عن ابن عباس أن رسول الله ( ﷺ ) قال ( لما أغرق الله فرعون قال آمنت أن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل قال جبريل يا محمد فلو رأتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة ) أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن.
وفي رواية أخرى عنه عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : ذكر أحدهما عن النبي ( ﷺ ) أنه ذكر أن جبريل عليه السلام جعل يدس في فيّ فرعون الطين خشية أن يقول لا إله إلا الله فيرحمه الله أو خشية أن يرحمه الله أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.