صفحة رقم ٢٠٩
أمر جبريل مع فرعون أن يكون منفذاً لقضاء الله وقدره في فرعون من الكفر وهو ساخط له غير راض به وقوله كيف يليق بجلال الله أن يأمر جبريل بأن يمنعه من الإيمان فجوابه أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسأل عما يفعل وأما قوله وإن قيل إن جبريل إنما فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله فجوابه أنه إنما فعل ذلك بأمر الله منفذاً لأمر الله والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
قوله سبحانه وتعالى :( فاليوم ننجيك ببدنك ( أي نلقيك على نجوة من الأرض وهي المكان المرتفع.
قال أهل التفسير : لما أغرق الله سبحانه وتعالى فرعون وقومه أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه فقالت بنو إسرائيل ما مات فرعون وإنما قالوا ذلك لعظمته عندهم وما حصل في قلوبهم من الرعب لأجله فأمر الله عز وجل البحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيراً كأنه ثور فرآه بنو إٍسرائيل فعرفوه فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتاً أبداً، ومعنى قوله ببدنك يعني نلقيك وأنت جسد لا روح فيه وقيل هذا الخطاب على سبيل التهكم والاستهزاء كأنه قيل له ننجيك ولكن هذه النجاة إنما تحصل لبدنك لا لروحك.
وقيل : أراد بالبدن الدرع وكان لفرعون درع من ذهب مرصع بالجواهر، يعرف به فلما رأوه في درعه ذلك عرفوه ) لتكون لمن خلفك آية ( يعني عبرة وموعظة، وذلك أنهم ادعوا أن مثل فرعون لا يموت أبداً فأظهره الله لهم حتى يشاهدوه وهو ميت لتزول الشبهة من قلوبهم ويعتبروا به لأنه كان في غاية العظمة فصار إلى نهاية الخسة والذلة ملقى على الأرض لا يهابه أحد ) وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون ( قوله عز وجل :( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ( يعني أسكناهم مكان صدق وأنزلناهم منزل صدق بعد خروجهم من البحر وإغراق عدوهم فرعون.
والمعنى : أنزلناهم منزلاً محموداً صالحاً وإنما وصف المكان بالصدق لأن عادة العرب إذا مدحت شيئاً أضافته إلى الصدق تقول العرب : هذا رجل صدق وقدم صدق والسبب فيه أن الشيء إذا كان كاملاً صالحاً، لا بد أن يصدق الظن فيه وفي المراد بالمكان الذي بوءوا قولان أحدهما أنه مصر فيكون المراد : إن الله أورث بني إسرائيل جميع ما كان تحت أيدي فرعون وقومه من ناطق وصامت وزرع وغيره.
والقول الثاني : إنه أرض الشام والقدس والأردن لأنها بلاد الخصب والخير والبركة ) ورزقناهم من الطيبات ( يعني تلك المنافع والخيرات التي رزقهم الله تعالى :( فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ( يعني فما اختلف هؤلاء الذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني إسرائيل حتى جاءهم ما كانوا به عالمين وذلك أنهم كانوا قبل مبعث النبي ( ﷺ ) مقرين به مجمعين على نبوته غير مختلفين فيه لما يجدونه مكتوباً عندهم فلما بعث الله محمداً ( ﷺ ) واختلفوا فيه فآمن به بعضهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وكفر به بعضهم بغياً وحسداً.
فعلى هذا المعنى يكون المراد من العلم المعلوم والمعنى فما اختلفوا حتى جاءهم المعلوم الذي كانوا يعلمونه حقاً فوضع العلم مكان العلوم وقيل المراد من العلم القرآن النازل على محمد ( ﷺ ) وإنما سماه علماً لأنه سبب العلم وتسمية السبب بالمسبب مجاز مشهور وفي كون القرآن سبباً لحدوث الاختلاف وجهان :
الأول : أن اليهود كانوا يخبرون بمبعث محمد ( ﷺ ) وصفته ونعته ويفتخرون بذلك على المشركين، فلما بعث كذبوه بغياً وحسداً وإيثاراً لبقاء الرياسة لهم فآمن به طائفة قليلة وكفر به غالبهم.
والوجه الثاني : أن اليهود كانوا على دين واحد قبل نزول القرآن فلما نزل على محمد ( ﷺ ) آمن به طائفة وكفر به آخرون.
وقوله تعالى :( إن ربك ( يعني يا محمد ) يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( يعني من أمرك وأمر نبوتك في الدنيا فيدخل من آمن بك الجنة ومن كفر