صفحة رقم ٢١١
وحد الله الضمير في قوله فإن كنت وهو يريد الجمع لأنه خطاب لجنس الإنسان كما في قوله تعالى :( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ( " لم يرد في الآية إنساناً بعينه بل أراد الجمع واختلفوا في المسؤول عنه في قوله تعالى :( فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ( من هم فقال المحققون من أهل التفسير : هم الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه لأنهم هم الموثوق بأخبارهم.
وقيل : المراد كل أهل الكتاب سواء مؤمنهم وكافرهم لأن المقصود من هذا السؤال الإخبار بصحة نبوة محمد ( ﷺ ) أو أنه مكتوب عندهم صفته ونعته فإذا أخبروا بذلك فقد حصل المقصود والأول أصح.
وقال الضحاك يعني أهل التقوى وأهل الإيمان من أهل الكتاب ممن أدرك النبي ( ﷺ ) ) لقد جاءك الحق من ربك ( هذا كلام مبتدأ منقطع عما قبله وفيه معنى القسم تقديره أسقم لقد جاءك الحق اليقين من الخير بأنك رسول الله حقاً وأن أهل الكتاب يعلمون صحة ذلك ) فلا تكونن من الممترين ( يعني من الشاكين في صحة ما أنزلنا إليك ) ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله ( يعني بدلائله وبراهينه الواضحة ) فتكون من الخاسرين ( يعني الذين خسروا أنفسهم.
واعلم أن هذا كله على ما تقدم من أن ظاهره خطاب للنبي ( ﷺ ) والمراد به غيره ممن عنده شك وارتياب فإن النبي ( ﷺ ) لم يشك ولم يرتب ولم يكذب بآيات الله فثبت بهذا أن المراد به غيره والله أعلم.
قوله سبحانه وتعالى ) إن الذين حقت عليهم ( يعني وجبت عليهم ) كلمة ربك ( يعني حكم ربك وهو قوله سبحانه وتعالى : وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي وقال قتادة : سخط ربك وقيل لعنة ربك وقيل هو ما قدره عليهم وقضاه في الأزل ) لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية ( فإنهم لا يؤمنون بها ) حتى يروا العذاب الأليم ( فحينئذ لا ينفعهم شيء قوله سبحانه وتعالى :( فلولا ( يعني فهلا ) كانت قرية ( وقيل معناه فما كانت قرية وقيل لم تكن قرية لأن في الاستفهام معنى الحجة والمراد هل كانت قرية ) آمنت ( يعني عند معاينة العذاب ) فنفعها إيمانها ( يعني في حال اليأس ) إلا قوم يونس ( هذا استثناء منقطع يعني لكن قوم يونس فإنهم آمنوا فنفعهم إيمانهم في ذلك الوقت وهو قوله ) لما آمنوا ( يعني لما أخلصوا الإيمان ) كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ( يعني إلى وقت انقضاء آجالهم واختلفوا في قوم يونس هل رأوا العذاب عياناً أم لا فقال بعضهم رأوا دليل العذاب فآمنوا ؛ وقال الأكثرون إنهم رأوا العذاب عياناً بدليل قوله كشفنا عنهم عذاب الخزي والكشف لا يكون إلا بعد الوقوع أو إذا قرب وقوعه.
( ذكر القصة في ذلك )
على ما ذكره عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم قالوا : إن قوم يونس


الصفحة التالية
Icon