صفحة رقم ٢٣٦
هود :( ٤٧ - ٥٠ ) قال رب إني...
) قال ( يعني : قال نوح ) رب إني أعوذ بك ( يعني : ألجأ إليك وأعتذر إليك ) أن أسألك ما ليس لي به علم ( يعني : إنك أنت علام الغيوب وأنا لا أعلم ما غاب عني فأعتذر إليك من مسألتي ما ليس لي به علم ) وإلا تغفر لي ( يعني : جهلي وإقدامي على سؤال ما ليس لي به علم ) وترحمني ( يعني برحمتك التي وسعت كل شيء ) أكن من الخاسرين (
( فصل وقد استدل بهذه الآيات من لا يرى عصمة الأنبياء )
وبيانه أن قوله إنه عمل غير صالح المراد منه السؤال وهو محظور فلهذا نهاه عنه بقوله فلا تسألن ما ليس لك به علم، وقوله سبحانه وتعالى :( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ( يدل على أن ذلك السؤال كان جهلاً ففيه زجر وتهديد وطلب المغفرة والرحمة له يدل على صدور الذنب منه.
والجواب أن الله عز وجل كان قد وعد نوحاً عليه السلام بأن ينجيه وأهله فأخذ نوح ظاهر اللفظ واتبع التأويل بمقتضى هذا الظاهر ولم يعلم ما غاب عنه ولم يشك في وعد الله سبحانه وتعالى فأقدم على هذا السؤال لهذا السبب فعاتبه الله عز وجل على سؤاله ما ليس له به علم وبين له أنه ليس من أهله الذي وعده بنجاتهم لكفره وعمله الذي هو غير صالح وأعلمه الله سبحانه وتعالى أنه مغرق مع الذين ظلموا ونهاه عن مخاطبته فيهم فأشفق نوح من إقدامه على سؤال ربه فيما لم يؤذن له فيه فخاف نوح من ذلك الهلاك فلجأ إلى ربه عز وجل وخشع له وعاذ به وسأل المغفرة والرحمة لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين وليس في الآيات ما يقتضي صدور ذنب ومعصية من نوح عليه السلام سوى تأويله وإقدامه على سؤال ما لم يؤذن له فيه وهذا ليس بذنب ولا معصية والله أعلم.
قوله سبحانه وتعالى :( قيل يا نوح اهبط ( أي انزل من السفينة أو من الجبل إلى الأرض ) بسلام ( أي بأمن وسلامة ) منا وبركات عليك ( البركة هي ثبوت الخير ونماؤه وزيادته، وقيل : المراد بالبركة هنا أن الله سبحانه وتعالى جعل ذريته هم الباقين إلى يوم القيامة فكل العالم من ذرية أولاده الثلاثة ولم يعقب من كان معه في السفينة غيرهم ) وعلى أمم ممن معك ( يعني : وعلى ذرية أمم ممن كانوا معك في السفينة، والمعنى وبركات عليك وعلى قرون تجيء من بعدك من ذرية أولادك وهم المؤمنون.
قال محمد بن كعب القرظي : دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة ) وأمم سنمتعهم ( هذا ابتداء كلام أي وأمم كافرة يحدثون بعدك سنمتعهم يعني في الدنيا إلى منتهى آجالهم ) ثم يمسهم منا عذاب أليم ( يعني في الآخرة ) تلك من أنباء الغيب ( هذا خطاب للنبي ( ﷺ ) يعني أن هذه القصة التي أخبرناك يا محمد من قصة نوح وخبر قومه من أنباء الغيب يعني من أخبار الغيب ) نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ( يعني من قبل نزول القرآن عليك.
فإن قلت إن قصة نوح كانت مشهورة معروفة في العالم فكيف قال ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا.
قلت : يحتمل أن يكون كانوا يعلمونها مجملة فنزل القرآن بتفصيلها وبيانها.
وجواب آخر وهو أنه ( ﷺ ) كان أميّاً لم يقرأ الكتب المتقدمة ولم يعلمها وكذلك كانت أمته فصح قوله ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل نزول القرآن بها ) فاصبر ( يا محمد على أذى مشركي قومك كما صبر نوح على أذى قومه ) إن العاقبة ( يعني النصر والظفر على الأعداء والفوز بالسعادة الأخروية يعني للمؤمنين.
قوله عز وجل :( وإلى عاد (