صفحة رقم ٢٤٩
من العلم والهداية والنبوة والمعرفة وجواب إن الشرطية محذوف تقديره أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني المال الحلال والهداية والمعرفة والنبوة فهل يسعني مع هذه النعمة أن أخون في وحيه أو أن أخالف أمره أو أتبع الضلال أو أبخس الناس أشياءهم، وهذا الجواب شديد المطابقة لما تقدم ذلك أنهم قالوا له إنك لأنت الحليم الرشيد والمعنى فكيف يليق بالحليم الرشيد أن يخالف أمر ربه وله عليه نعم كثيرة وقوله :( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( قال صاحب الكشاف يقول خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مول عنه وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده ويقال الرجل صادراً عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول خالفني إلى الماء يريد أنه قد ذهب إليه وارداً وأنا ذاهب عنه صداراً ومنه قوله ) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( أي أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم.
قال الإمام فخر الدين الرازي : وتحقيق الكلام فيه أن القوم اعترفوا فيها بأنه حليم رشيد وذلك يدل على كمال العقل وكمال العقل يحمل صاحبه على اختيار الطريق الأصوب الأصلح فكأنه عليه السلام قال لهم لما اعترفتم بكمال عقلي فاعملوا أن الذي اخترته لنفسي هو أصوب الطرق وأصلحها وهو الدعوة إلى توحيد الله وترك البخس والنقصان فأنا مواظب عليها غير تارك لها فاعلموا أن هذه الطريقة خير الطرق وأشرفها لا ما أنتم عليه وقال الزجاج : معناه إني لست أنهاكم عن شيء وأدخل فيه إنما أختار لكم لنفسي وقال ابن الأنباري بين أن الذي يدعوهم إليه من اتباع طاعة الله وترك البخس والتطفيف هو ما يرتضيه لنفسه وهو لا ينطوي إلا عليه فكان هذا محض النصيحة لهم ) إن أريد ( يعني ما أريد فيما آمركم به وإنهاكم عنه ) إلا الإصلاح ( يعني فيما بيني وبينكم ) ما استطعت ( يعني ما استطعت إلا الإصلاح وهو الإبلاغ والإنذار فقط ولا أستطيع إجباركم على الطاعة لأن ذلك إلى الله فإنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ) وما توفيقي إلا بالله ( التوفيق تسهيل سبيل الخير والطاعة على العبد ولا يقدر على ذلك إلا الله تعالى فلذلك قال تعالى :( وما توفيقي إلا بالله ( ) عليه توكلت ( يعني على الله اعتمدت في جميع أموري ) وإليه أنيب ( يعني وإليه أرجع فيما ينزل من النوائب وقيل إليه أرجع في معادي روي أن رسول الله ( ﷺ ) كان إذا ذكر شعيباً قال ( ذلك خطيب الأنبياء ) لحسن مراجعته قومه.
وقوله تعالى :( ويا يوم لا يجرمنكم شقاقي ( أي لا يحملنكم خلافي وعداوتي ) أن يصيبكم ( يعني عذاب العاجلة على كفركم وأفعالكم الخبيثة ) مثل ما أصاب قوم نوح ( يعني الغرق ) أو قوم هود ( يعني الريح التي أهلكتهم ) أو قوم صالح ( يعني ما أصابهم من الصيحة حتى هلكوا جميعاً ) وما قوم لوط منكم ببعيد ( وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاكهم وقيل معناه وما ديار قوم لوط منكم ببعيد وذلك انهم كانوا جيران قوم لوط وبلادهم قريبة من بلادهم.
هود :( ٩٠ - ٩٣ ) واستغفروا ربكم ثم...
" واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب " ( ) واستغفروا ربكم ( يعني من عبادة الأصنام ) ثم توبوا إليه ( يعني من البخس والنقصان في الكيل والوزن ) إن ربي رحيم ( يعني بعباده إذا تابوا واستغفروا ) ودود ( قال ابن عباس : الودود المحبّ لعباده المؤمنين فهو من قولهم وددت الرجل أوده إذا أحببته، وقيل : يحتمل أن يكون ودود فعول بمعنى مفعول ومعناه أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه لكثرة إفضاله وإحسانه إليهم.
وقال الحليمي : هو الوّاد لأهل طاعته أي الراضي عنهم بأعمالهم والمحسن إليهم لأجلهم والمادح لهم بها، وقال أبو سليمان الخطابي : وقد يكون معناه من تودد إلى خلقه ) قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول ( يعني


الصفحة التالية
Icon