صفحة رقم ٢٦٩
بصنيعهم هذا، والفائدة في إخفاء ذلك الوحي أنهم إذا عرفوه فربما ازداد حسدهم له.
وقيل : إن الله تعالى أوحى إلى يوسف لتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا بعد هذا اليوم وهم لا يشعرون بأنك أنت يوسف والمقصود من ذلك تقوية قلب يوسف عليه الصلاة والسلام وأنه سيخلص مما هو فيه من المحنة ويصير مستولياً عليهم ويصيرون تحت أمره وقهره.
يوسف :( ١٦ - ١٨ ) وجاؤوا أباهم عشاء...
" وجاؤوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " ( قوله تعالى :( وجاؤوا أباهم عشاء يبكون ( قال المفسرون : لما طرحوا يوسف في الجب رجعوا إلى أبيهم وقت العشاء ليكونوا في الظلمة أجرأ على الاعتذار بالكذب فلما قربوا من منزل يعقوب جعلوا يبكون ويصرخون فسمع أصواتهم ففزع من ذلك وخرج إليهم فلما رآهم قال بالله سألتكم يا بني هل أصابكم شيء في غنمكم قالوا لا قال فما أصابكم وأين يوسف ) قالوا يا أبنا إنا ذهبنا نستبق ( قال ابن عباس : يعني ننتضل، وقال الزجاج : يسابق بعضنا بعضاً في الرمي الأصل في السبق الرمي بالسهم وهو التناضل أيضاً وسمي المتراميان بذلك يقال تسابقا واستبقا إذا فعلا ذلك ليتبين أيهما أبعد سهماً.
وقال السدي : يعني نشتد ونعدو والمعنى نستبق على الأقادم ليتبين أينا أسرع عدواً وأخف حركة، وقال مقاتل : نتصيد والمعنى نستبق إلى الصيد ) وتركنا يوسف عند متاعنا ( يعني عند ثيابنا ) فأكله الذئب ( يعني في حال استباقنا وغفلتنا عنه ) وما أنت بمؤمن لنا ( يعني وما أنت بمصدق لنا ) ولو كنا صادقين ( يعني في قولنا والمعنى إنا وإن كنا صادقين لكنك لا تصدق لنا قولاً لشدة محبتك ليوسف عند ثيابنا ) فأكله الذئب ( يعني في حال استباقنا وغفلتنا عنه ) وما أنت بمؤمن لنا ( يعني وما أنت بمصدق لنا ) ولو كنا صادقين ( يعني في قولنا والمعنى إنا وإن كنا صادقين لكنك لا تصدق لنا قولاً لشدة محبتك ليوسف فإنك تتهمنا في قولنا هذا وقيل معناه إنا وإن كنا صادقين فإنك لا تصدقنا لأنه لم تظهر عندك أماة تدل على صدقنا ) وجاؤوا على قميصه ( يعني قميص يوسف ) بدم كذب ( أي مكذوب فيه قال ابن عباس : إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف ثم جاؤوا أباهم وفي القصة أنهم لطخوا القميص بالدم ولم يشقوه، فقال يعقوب لهم : كيف أكله الذئب ولم يشقّ قميصه فاتهمهم بذلك، وقيل إنهم أتوه بذئب وقالوا هذا أكله فقال يعقوب : أيها الذئب أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي ؟ فأنطقه الله عز وجل وقال والله ما أكلته ولا رأيت ولدك قط ولا يحل لنا أن نأكل لحوم الأنبياء، فقال يعقوب فكيف وقعت بأرض كنعان قال جئت لصلة الحم وهي قرابة لي فأخذوني وأتوا بي إليك فأطلقه يعقوب ولما ذكر إخوة يوسف ليعقوب هذا الكلام واحتجوا على صدقهم بالقميص الملطخ بالدم، ) قال ( يعقوب ) بل سولت لكم أنفسكم أمراً ( يعني بل زينت لكم أنفسكم أمراً، وأصل التسويل تقدير معنى في النفس مع الطمع في إتمامه، وقال صاحب الكشاف : سولت سهلت من السول وهو الاسترخاء أي سهلت لكم أنفسكم أمراً عظيماً ركبتموه من يوسف وهوّنتموه في أنفسكم وأعينكم فعلى هذا يكون معنى قوله بل رد لقولهم فأكله الذئب كأنه قال ليس الأمر كما تقولون أكله الذئب بل سولت لكم أنفسكم أمراً آخر غير ما تصفون ) فصبر جميل ( أي : فشأني صبر جميل، وقيل :


الصفحة التالية
Icon