صفحة رقم ٢٧٦
لحكى الله ذلك عنه في كتابه كما ذكر عن غيره من الأنبياء وحيث لم يحك عنه شيئاً علمنا براءته مما قيل فيه ولم يصدر عنه شيء كما نقله أصحاب الأخبار ويدل على ذلك أيضاً أن كل من كان له تعلق بهذه الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف عليه السلام عما نسب إليه واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة يوسف والمرأة وزوجها والنسوة واللاتي قطعن أيديهن والمولود الذي شهد على القميص شهدوا ببراءته والله تعالى شهد ببراءته من الذنب أيضاً.
أما بيان أن يوسف ادعى براءته مما نسب إليه فقوله هي راودتني عن نفسي، وقوله : رب السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه.
وأما بيان أن المرأة اعترفت ببراءة يوسف ونزاهته فقولها : أنا راودته عن نفسه فاستعصم، وقولها : الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين.
وأما بيان أن زوج امرأة اعترف أيضاً ببراءة يوسف فقوله : إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين.
وأما شهادة المولود ببراءته فقوله : وشهد شاهد من أهلها الآية وأما شهادة الله له بذلك فقوله تعالى كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ومن كان كذلك فليس للشيطان عليه سلطان بدليل قوله لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين وبطل بهذا قول من قال إن الشيطان جرى بينهما حتى أخذ بجيده وجيد المرأة حتى جمع بينهما فإنه قول منكر لا يجوز لأحد أن يقول ذلك.
وأما ما روي عن ابن عباس : إنه جلس منها مجلس الخائن فحاش ابن عباس أن يقول مثل هذا عن يوسف عليه الصلاة والسلام ولعل بعض أصحاب القصص وأصحاب الأخبار وضعوه عن ابن عباس، وكذلك ما روي عن مجاهد وغيره أيضاً فإنه لا يكاد يصح بسند صحيح وبطل ذلك كله وثبت ما بيناه من براءة يوسف عليه الصلاة والسلام من هذه الرذيلة والله أعلم بمراده وأسرار كتابه وما صدر من أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
فإن قلت : فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله عز وجل لولا أن رأى برهان ربه فائدة.
قلت : فيه أعظم الفوائد وبيانه من وجهين أحدهما : أنه تعالى أعلم يوسف أنه لو همّ بدفعها لقتلته فأعلمه بالبرهان أن الامتناع من ضربتها أولى صوناً للنفس عن الهلاك الوجه، الثاني : أنه عليه الصلاة والسلام لو اشتغل بدفعها عن نفسه لتعلقت به فكان في ذلك أن يتمزق ثوبه من قدام وكان في علم الله أن الشاهد يشهد بأنه ثوبه لو تمزق من قدام لكان يوسف هو الخائن وذا تمزق من خلف كانت هي الخائنة فأعلمه الله بالبرهان هذا المعنى فلم يشتغل بدفعها عن نفسه بل ولى هارباً فأثبت بذلك الشاهد حجة له لا عليه وأما تفسير البرهان على ما ذكره المفسرون في قوله تعالى ) لولا أن رأى برهان ربه } " فقال قتادة وأكثر المفسرين : إن يوسف رأى صورة يعقوب عليه السلام وهو يقول له يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب من الأنبياء.
وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك : انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضاً على أصبعه، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : مثل له يعقوب فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله وقال السدي نودي يا يوسف أتواقعها إنما مثلك لما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق عليه وإن مثلك إن واقعتها كمثله إذا وقع على الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه شيئاً ومثلك ما لم يتواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يطاق ومثلك إن واقعتها كمثله إذا مات ودخل النمل في قرنه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه وقيل إنه رأى معصماً بلا عضد عليه مكتوب ) وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون } " فولى هارباً ثم رجع فعاد المعصم وعليه


الصفحة التالية
Icon