صفحة رقم ٢٨٥
من المشركين ) إلا أسماء سميتموها ( يعني سميتموها آلهة وأرباباً وهي حجارة جمادات خالية عن المعنى لا حقيقة لها ) أنتم وآباؤكم ( يعني من قبلكم سموها آلة ) ما أنزل الله بها من سلطان ( يعني أن تسمية الأصنام آلهة لا حجة لكم بها ولا برهان ولا أمر الله بها وذلك أنهم كانوا يقولون إن الله أمرنا بهذه التسمية فرد الله عليهم بقوله :( ما أنزل الله بها من سلطان أن الحكم إلا لله ( يعني أن الحكم والقضاء والأمر والنهي لله تعالى لا شريك له في ذلك ) أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ( لأنه هو المستحق للعبادة لا هذه الأصنام التي سميتموها آلهة ) ذلك الدين القيم ( يعني عبادة الله هي الدين المستقيم ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( ذلك.
ولما فرغ يوسف عليه الصلاة والسلام من الدعاء إلى الله وعبادته رجع إلى تعبير رؤياهما فقال ) يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمراً ( يعني أن صاحب شراب الملك يرجع إلى منزلته ويسقي الملك خمراً كما كان يسقيه أولاً والعناقيد الثلاثة هي ثلاثة أيام يبقى في السجن ثم يدعو به الملك ويرده إلى منزلته التي كان عليها ) وأما الآخر فيصلب ( يعني صاحب طعام الملك والسلال الثلاث ثلاثة أيام ثم يدعو به الملك فيصلبه ) فتأكل الطير من رأسه ( قال ابن معسود رضي الله عنه فلما سمعا قول يوسف عليه الصلاة والسلام قالا ما رأينا شيئاً إنما كنا نلعب قال يوسف ) قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ( يعني فرغ من الأمر الذي سألتما عنه ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به رأيتما شيئاً أم لم تريا ) وقال ( يعني يوسف ) للذي ظن ( يعني علم وتحقق فالظن بمعنى العلم ) أنه ناج منهما ( يعني ساقي الملك ) اذكرني عند ربك ( يعني سيدك وهو الملك الأكبر فقل له إن في السجن غلاماً محبوساً مظلوماً طال حبسه ) فأنساه الشيطان ذكر ربه ( في هاء الكناية في فأنساه إلى من تعود قولان :
أحدهما : أنها ترجع إلى الساقي وهو قول عامة المفسرين والمعنى فأنس الشيطان الساقي أن يذكر يوسف عند الملك قالوا لأن صرف وسوسة الشيطان إلى ذلك الرجل الساقي حتى أنساه ذكر يوسف أولى من صرفها إلى يوسف.
والقول الثاني : وهو قول أكثر المفسرين أن هاء الكناية ترجع إلى يوسف، والمعنى أن الشيطان أنسى يوسف ذكر ربه عز وجل حتى ابتغى الفرج من غيره واستعان بمخلوق مثله في دفع الضرر وتلك غفلة عرضت ليوسف عليه السلام فإن الاستعانة بالمخلوق في دفع الضرر جائزة إلا أنه لما كان مقام يوسف أعلى المقامات ورتبته أشرف المراتب وهي منصب النبوة والرسالة لا جرم صار يوسف مؤاخذاً بهذا القدر فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
فإن قلت كيف تمكن الشيطان من يوسف حتى أنساه ذكر ربه.
قلت بشغل الخاطر وإلقاء الوسوسة فإنه قد صح في الحديث ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) فأما النسيان الذي هو عبارة عن ترك الذكر وإزالته عن القلب بالكلية فلا يقدر عليه.
وقوله سبحانه وتعالى :( فلبث في السجن بضع سنين (.
اختلفوا في قدر البضع فقال مجاهد ما بين الثلاثة إلى السبع وقال قتادة : هو ما بين الثلاث إلى التسع، وقال ابن عباس هو ما دون العشرة وأكثر المفسرين على أن البضع في هذه الآية سبع سنين