صفحة رقم ٢٩٥
في الجب وبين دخولهم عليه مدة أربعين سنة فلذلك أنكروه وقال عطاء : إنما لم يعرفوه لأنه كان على سرير الملك وكان على رأسه تاج الملك وقيل لأنه كان قد لبس زي ملوك مصر عليه ثياب حرير وفي عنقه طوق من ذهب وكل واحد من هذه الأسباب مانع من حصول المعرفة فكيف وقد اجتمعت فيه، وقيل إن العرفان إنما يقع في القلب بخلق الله تعالى له فيه وإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق ذلك العرفان في تلك الساعة في قلوبهم تحقيقاً لما أخبر أنه سينبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون فكان ذلك معجزة ليوسف عليه الصلاة والسلام فلما نظر إليهم يوسف وكلموه بالعبرانية كلمهم بلسانهم فقال لهم أخبروني من أنتم وما أمركم فإني قد أنكرت حالكم قالوا : نحن قوم من أرض الشام رعاة قد أصابنا من الجهد ما أصاب الناس فجئنا نمتار ؟ قال يوسف لعلكم جئتم تنظرون عورة بلادي قالوا : لا والله ما نحن بجواسيس إنما نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ كبير صديق يقال له يعقوب نبي من أنبياء الله تعالى قال وكم أنتم ؟ قالوا كنا اثني عشر فذهب أخل لنا معنا إلى البرية فهلك فيها وكان أحبنا إلى أبينا قال : فكم أنتم الآن، قالوا : عشرة قال : وأين الآخر قالوا هو عند أبينا لأنه أخو الذي هلك لأمه فأبونا يتسلى به قال فمن يعلم أن الذي تقولون حق قالوا أيها الملك إننا ببلاد غربة لا يعرفنا فيها أحد قال فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين فأنا راض بذلك منكم قالوا إن أبانا يحزن لفراقه وسنراوده عنه قال فدعوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني به فاقترعوا فيما بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأياً في يوسف فخلفوه عنده.
يوسف :( ٥٩ - ٦٢ ) ولما جهزهم بجهازهم...
" ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون " ( قوله تعالى :( ولما جهزهم بجهازهم ( يقال : جهزت القوم تجهيزاً إذا تكلفت لهم جهاز سفرهم وهو ما يحتاجون إليه في وجوههم والجهاز بفتح الجيم هي اللغة الفصيحة الجيدة وعليها الأكثرون من أهل اللغة وكسر الجيم لغة ليست بجيده.
قال ابن عباس : حمل لكل واحد منهم بعيراً من الطعام وأكرمهم في النزول وأحسن ضيافتهم وأعطاهم ما يحتاجون إليه في سفرهم ) قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ( يعني الذي خلفتموه عنده وهو بنيامين ) ألا ترون أني أوفي الكيل ( يعني أني أتمّه ولا أبخس منه شيئاً وأزيدكم حمل بعير آخر لأجل أخيكم أكرمكم بذلك ) وأنا خير المنزلين ( يعني خير المضيفين لأنه كان قد أحسن ضيافتهم مدة إقامتهم عنده قال الإمام فخر الدين الرازي : هذا الكلام يضعف قول من يقول من المفسرين إنه اتهمهم ونسبهم إلى أنهم جواسيس ومن يشافههم بهذا الكلام فلا يليق به أن يقول لهم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين، وأيضاً يبعد من يوسف عليه الصلاة والسلام مع كونه صديقاً أن يقول لهم أنتم جواسيس وعيون مع أنه يعرف براءتهم من هذه التهمة لأن البهتان لا يليق بالصديق ثم قال يوسف ) فإن لم تأتوني به ( يعني بأخيكم الذي من أبيكم ) فلا كيل لكم عندي ( يعني لست أكيل