صفحة رقم ٣٠١
قال إنها الإبل خاصة باطل وقيل العير الإبل التي تحمل عليها الأحمال سميت بذلك لأنها تعير أي تذهب وتجيء وقيل هي قافلة الحمير ثم كثر ذلك في الاستعمال حتى قيل لكل قافلة عير وقوله أيتها العير أراد أصحاب العير ) إنكم لسارقون ( فقفوا والسرقة أخذ ما ليس له أخذه في خفاء.
فإن قلت هل كان هذا النداء بأمر يوسف أم لا فإن كان بأمره فكيف يليق بيوسف مع علو منصبه وشريف رتبته من النبوة والرسالة أن يتهم أقواماً وينسبهم إلى السرقة كذباً مع علمه ببراءتهم من ذلك وإن كان ذلك النداء بغير أمره فهلا أظهر براءته عن تلك التهمة التي نسبوا إليها.
قلت ذكر العلماء عن هذا السؤال أجوبة :
أحدها : أن يوسف لما أظهر لأخيه أنه أخوه قال لست أفارقك قال لا سبيل إلى ذلك إلا بتدبير حيلة أنسبك فيها إلى ما يليق قال رضيت بذلك فعلى هذا التقدير لم يتألم قلبه بسبب هذا الكلام بل قد رضي به فلا يكون ذنباً.
الثاني : أن يكون المعنى إنكم لسارقون ليوسف من أبيه إلا أنهم ما أظهروا هذا الكلام فهو من المعاريض وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.
الثالث : يحتمل أن يكون المنادي ربما قال ذلك النداء على سبيل الاستفهام وعلى هذا التقدير لا يكون كذباً.
الرابع : ليس في القرآن ما يدل على أنهم قالوا ذلك بأمر يوسف وهو الأقرب إلى ظاهر الحال لأنهم طلبوا السقاية فلم يجدوها ولم يكن هناك أحد غيرهم وغلب على ظنهم أنهم هم الذين أخذوها فقالوا ذلك بناء على غلبة ظنهم ) قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون ( قال أصحاب الأخبار لما وصل الرسل إلى إخوة يوسف قالوا لهم ألم نكرمكم ونحسن ضيافتكم ونوف إليكم الكيل ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم قالوا بلى وما ذاك قالوا فقدنا سقاية الملك ولا نتهم عليها غيركم فذلك قوله تعالى قالوا وأقبلوا عليهم أي عطفوا على المؤذن وأصحابه ماذا أي ما الذي تفقدون والفقدان ضد الوجود ) قالوا ( يعني المؤذن وأصحابه ) نفقد صواع الملك ( الصاع الإناء الذي يكال به وجمعه أصوع والصواع لغة فيه وجمعه صيعان ) ولمن جاء به ( يعني بالصواع ) حمل بعير ( يعني من الطعام ) وأنا به زعيم ( أي كفيل قال الكلبي الزعيم هو الكفيل بلسان أهل اليمن وهذه الآية تدل على أن الكفالة كانت صحيحة في شرعهم وقد حكم رسول الله ( ﷺ ) بها في قوله ( الحميل غارم ) والحميل الكفيل.
فإن قلت كيف تصح هذه الكفالة مع أن السارق لا يستحق شيئاً.
قلت لم يكونوا سراقاً في الحقيقة فيحمل ذلك على مثل رد الضائع فيكون جعالة أو لعل مثل هذه الكفالة كانت جائزة عندهم في ذلك الزمان فيحمل عليه ) قالوا ( يعني إخوة يوسف ) تالله ( التاء بدل من الواو ولا تدخل إلا على اسم الله في اليمين خاصة تقديره والله ) لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا مسرفين ( قال المفسرون : إن أخوة يوسف حلفوا على أمرين :
أحدهما : أنهم ما جاؤوا لأجل الفساد في الأرض والثاني أنهم ما جاؤوا سارقين وإنما قالوا هذه المقالة لأنه كان قد ظهر من أحوالهم ما يدل على صدقهم وهو أنهم كانوا مواظبين على أنواع الخير والطاعة والبر حتى بلغ من أمرهم أنهم شدوا أفواه دوابهم لئلا تؤذي زرع الناس ومن كانت هذه صفته فالفساد في حقه ممتنع.
وأما الثاني : وهو أنهم ما كانوا سارقين فلأنهم قد كانوا ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم ولم يستحلوا


الصفحة التالية
Icon