صفحة رقم ٣١٠
عليه الصلاة والسلام ألفي في النار فصبر ولم يشك إلى أحد وإسماعيل ابتلي بالذبح فصبر وفوض أمره إلى الله وإسحاق ابتلي بالعمى فصبر ولم يشك إلى أحد ويعقوب ابتلي بفقده ولده يوسف وبعده بنيامين ثم عمي بعد ذلك أو ضعف بصره من كثرة البكاء على فقدهما وهو مع ذلك صابر لم يشك إلى أحد شيئاً مما نزل به وإنما كانت شكايته إلى الله عز وجل بدليل قوله إنما أشكو بثي وحزني إلى الله فاستوجب بذلك المدح العظيم والثناء الجميل في الدنيا والدرجات العلى في الآخرة مع من سلف من أبويه إبراهيم وإسحاق عليهما الصلاة والسلام.
وأما دمع العين وحزن القلب فلا يستوجب به ذماً ولا عقوبة لأن ذلك ليس إلى اختيار الإنسان فلا يدخل تحت التكليف بدليل أن النبي ( ﷺ ) بكى على ولده إبراهيم عند موته وقال ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وما نقول إلا ما يرضي ربنا ) فهذا القدر لا يقدر الإنسان على دفعه عن نفسه فصار مباحاً لا حرج فيه على أحد من الناس وقوله ) وأعلم من الله ما لا تعلمون ( يعني أنه تعالى من رحمته وإحسانه يأتي بالفرج من حيث لا أحتسب وفيه إشارة إلى أنه كان يعلم حياة يوسف ويتوقع رجوعه إليه وروى أن ملك الموت زار يعقوب فقال له يعقوب أيها الملك الطيب ريحه الحسن صورته الكريم على ربه هل قبضت روح ابني يوسف في الأرواح فقال لا فطابت نفس يعقوب وطمع في رؤيته فلذلك قال وأعلم من الله ما لا تعملون وقيل معناه وأعلم أن رؤيا يوسف حق وصدق وإني وأنتم سنسجد له وقال السدي لما أخبره بنوه بسيرة ملك مصر وكمال حاله في جميع أقواله وأفعاله أحسست نفس يعقوب وطمع أن يكون هو يوسف فعند ذلك قال يعني يعقوب.
يوسف :( ٨٧ - ٨٩ ) يا بني اذهبوا...
" يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون " ( ) يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ( التحسس طلب الخبر بالحاسة وهو قريب من التجسس بالجيم وقيل إن التحسس بالحاء يكون في الخير وبالجيم يكون في الشر ومنه الجاسوس


الصفحة التالية
Icon