صفحة رقم ٦٢
مستنثى قوله تعالى فسيحوا في الأرض لأن الكلام خطاب للمسلمين ومعناه براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فقولوا لهم : سيحوا في الأرض إلا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( والاستثناء بمعنى الاستدراك كأنه قيل لهم بعد أن أمروا في الناكثين لكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجراهم ولا تجعلوا الوفي كالغادر ) إن الله يحب المقتين ( يعني أن قضية التقوى تقتضي أن لا يسوى بين القبيلتين يعني الوافي بالعهد والناكث له والغادر فيه.
قوله سبحانه وتعالى :( فإذا انسلخ الأشهر الحرم ( يعني فإذا انقضت الأشهر الحرم ومضت وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.
وقال مجاهد ومحمد بن إسحاق : هي شهور العهد سميت حرماً لحرمة نقض العهد فيها فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر ومن لا عهد له فأجله إلى انقضاء المحرم وذلك خمسون يوماً وقيل إنما قال لها حرم لأن الله سبحانه وتعالى حرم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم.
فإن قلت : على هذا القول هذه المدة وهي الخمسون يوماً بعض الأشهر الحرم والله سبحانه وتعالى قال فإذا انسلخ الأشهر الحرم.
قلت : لما كان هذا القدر من الأشهر متصلاً بما مضى أطلق عليه اسم الجمع والمعنى فإذا مضت المدة المضروبة التي يكون معها انسلاخ الأشهر الحرم ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( يعني في الحل والحرم وهذا أمر إطلاق يعني اقتلوهم في أي وقت وأي مكان وجدتموهم ) وخذوهم ( يعني واسروهم ) واحصروهم ( أي واحبسوهم.
قال ابن عباس : يريد أن تحصنوا فاحصروهم وامنعوهم من الخروج.
وقيل : امنعوهم من دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام ) واقعدوا لهم كل مرصد ( يعني على كل طريق والمرصد الوضع الذي يقعد فيه للعدو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته والمعنى كونوا لهم رصداً حتى تأخذوهم من أي وجه توجهوا.
وقيل : معناه اقعدوا لهم بطريق مكة حتى لا يدخلوها ) فإن تابوا ( يعني من الشرك ورجعوا إلى الإيمان ) وأقاموا الصلاة ( يعني وأتموا أركان الصلاة المفروضة ) وآتوا الزكاة ( الواجب عليهم طيبة بها أنفسهم ) فخلوا سبيلهم ( يعني إلى الدخول إلى مكة والتصرف في بلادهم ) إن الله غفور ( يعني لمن تاب ورجع من الشرك إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة ) رحيم ( يعني بأولياءه وأهل طاعته، وقال الحسن بن الفضل : نسخت هذه الآية كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على أذى الأعداء.
التوبة :( ٦ - ٨ ) وإن أحد من...
" وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون " ( قوله تعالى :( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ( يعني وإن استأمنك يا محمد أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله الذي أنزل عليك وهو القرآن فأجره حتى يسمع كلام الله ويعرف ماله من الثواب إن آمن وما عليه من العقاب إن أصر على الكفر ) ثم أبلغه مأمنه ( يعني إن لم يسلم أبلغه إلى الموضع الذي يأمن فيه وهو دار


الصفحة التالية
Icon