صفحة رقم ٧١
عمل بطاعته وجاهد في سبيله.
قوله سبحانه وتعالى :( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء ( قال مجاهد : هذه الآية متصلة بما قبلها نزلت في قصة العباس وطلحة وامتناعهما من الهجرة وقال ابن عباس : لما أمر النبي ( ﷺ ) الناس بالهجرة إلى المدينة فمنهم من تعلق به أهله وأولاده يقولون ننشدك الله أن لا تضيعنا فيرق لهم فيقيم عليهم ويدع الهجرة فأنزل الله هذه الآية.
وقال مقاتل : نزلت في التسعة الذين ارتدعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة فنهى الله المؤمنين عن موالاتهم وأنزل يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء يعني بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسراركم وتؤثرون المقام معهم على الهجرة.
قال بعضهم : حمل هذه الآية على ترك الهجرة مشكل لأن هذه السورة نزلت بعد الفتح وهي من آخر القرآن نزولاً والأقرب أن يقال إن الله سبحانه وتعالى لما أمر المؤمنين بالتبري من المشركين قالوا كيف يمكن أن يقاطع الرجل أباه وأخاه وابنه فذكر الله أن مقاطعة الرجل أهله وأقاربه في الدين واجبة فالمؤمن لا يوالي الكافر وإن كان أباه وأخاه وابنه وهو قوله تعالى :( إن استحبوا الكفر على الإيمان ( يعني إن اختاروا الكفر وأقاموا عليه وتركوا الإيمان بالله ورسوله ) ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ( يعني ومن يختار المقام معهم على الهجرة والجهاد فقد ظلم نفسه بمخالفة أمر الله واختيار الكفار على المؤمنين ولما نزلت هذه الآية قال الذين أسلموا : لم يهاجروا إن نحن هاجرنا ضاعت أموالنا وذهبت تجارتنا وخربت دورنا وقطعنا أرحامنا.
التوبة :( ٢٤ - ٢٥ ) قل إن كان...
" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين " ( ) قل ( أي قل يا محمد لهؤلاء الذين قالوا هذه المقالة ) إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشريتكم ( وقرئ على الجمع وعشيراتكم العشيرة هم الأدنون من أهل الإنسان الذين يعاشرونه دون غيرهم ) وأموال اقترفتموها ( يعني اكتسبتموها ) وتجارة تخشون كسادها ( يعني بفراقكم لها ) ومساكن ترضونها ( يعني تستوطنوها راضين بسكناها ) أحب إليكم من الله ورسوله ( يعني أحب إليكم من الهجرة إلى الله ورسوله ) وجهاد في سبيله ( فبين الله سبحانه وتعالى أنه يجب تحمل جميع المضار في الدنيا ليبقى الدين سليماً وأخبر أنه كانت رعاية هذه المصالح الدنيوية عندكم أولى من طاعة الله وطاعة رسوله من المجاهدة في سبيل الله ) فتربصوا ( أي فانتظروا ) حتى يأتي الله بأمره ( يعني بقضائه وهذا أمر تهديد وتخويف وقال مجاهد ومقاتل يعني بفتح مكة ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( يعني الخارجين عن طاعته، وفي هذا دليل على أنه إذا وقع تعارض بين مصالح الدين ومصالح الدنيا وجب على المسلمين ترجيح مصالح الدين على مصالح الدنيا.
قوله عز وجل :( لقد نصركم الله ( النصر المعونة على الأعداء بإظهار المسلمين عليهم ) في مواطن