صفحة رقم ٩٥
على أن الله ثالثهما ومنها بذله نفسه ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله وطاعة رسوله ( ﷺ ) وملازمته النبي ( ﷺ ) ومعاداة الناس فيها ومنها جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك.
روي عن عمر بن الخطاب أنه ذكر عنده أبو بكر فقال : وددت أن عملي كله مثل عمله يوماً واحداً من أيامه وليلة واحدة من لياليه أما فليلته ليلة سار مع رسول الله ( ﷺ ) إلى الغار فلما انتهيا إليه قال والله لا تدخله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك فدخله فكنسه ووجد في جانبه ثقباً فشق إزاره وسدها به وبقي منهما ثقبان فألقمهما رجليه ثم قال لرسول الله ( ﷺ ) ادخل فدخل رسول الله ( ﷺ ) ووضع رأسه في حجره ونام فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله ( ﷺ ) فسقطت دموعه على وجه رسول الله ( ﷺ ) فقال :( مالك يا أبا بكر ) فقال : لدغت فداك أبي وأمي فتفل عليه رسول الله ( ﷺ ) فذهب ما يجده ثم انتقض عليه وكان سبب موته وأما يومه فلما قبض ( ﷺ ) ارتدت العرب، وقالوا : لا نؤدي الزكاة فقال لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم.
قال : لي أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام أنه قد انقطع الوحي وتم الدين أينقص وأنا حي أخرجه في جامع الأصول ولم يرقم عليه علامة لأحد قال البغوي وروي أنه حين انطلق مع رسول الله ( ﷺ ) إلى الغار جعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه.
فقال له رسول الله ( ﷺ ) :( مالك يا أبا بكر ) ؟ فقال : أذكر الطلب فأمشي خلفك واذكر الرصد فأمشي بين يديك فلما انتها إلى الغار قال : مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ الغار فدخل فاستبرأه ثم قال انزل يا رسول الله فنزل وقال له :( إن أقتل فأنا رجل واحد من المسلمين وإن قتلت هلكت الأمة )
( ذكر سياق حديث الهجرة وهو من أفراد البخاري )
عن عائشة قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله ( ﷺ ) طرفي النهار بكرة وعشياً فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال : اين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : اخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي.
فقال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري