صفحة رقم ١٠١
خلقة ويسمى يعسوب النحل يعني ملكها كذا حكاه الجوهري وألهمها الله سبحانه وتعالى أيضاً أنها تخرج من بيوتها، فتدور وترعى ثم ترجع إلى بيوتها، ولا تضل عنها.
ولما امتار هذا الحيوان الضعيف بهذه الخواص العجيبة، الدالة على مزيد الذكاء والفطنة دل ذلك على الإلهام الإلهي فكان ذلك شبيهاً بالوحي، فلذلك قال تبارك وتعالى : وأوحى ربك إلى النحل، والنحل زنبور العسل ويسمى الدبر أيضاً، قال الزجاج : يجوز أن يقال سمي هذا الحيوان نحلاً لأن الله سبحانه وتعالى، نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها بمعنى أعطاهم.
وقال غيره : النحل يذكر ويؤنث وهي مؤنثة في لغة الحجاز، وكذا أنثها الله تعالى فقال ) ثم كلي من كل الثمرات ( يعني من بعض الثمرات لأنه لا تأكل من جميع الثمار فلفظه كل هاهنا ليست للعموم ) فاسلكي سبل ربك ( يعني الطرق التي ألهمك الله أن تسلكيها، وتدخلي فيها لأجل طلب الثمرات ) ذللاً ( قيل إنها نعت للسبل يعني أنها مذللة لكل الطرق مسهلة لك مسالكها.
قال مجاهد : لا يتوعر عليها مكان تسلكه.
وقيل : الذلل نعت للنحل يعني أنها مذللة مسخرة لأربابها مطيعة منقادة لهم حتى أنهم ينقلونها من مكانها إلى مكان آخر حيث شاؤوا وأرادوا لا تستعصي عليهم ) يخرج من بطونها شراب ( يعني العسل ) مختلف ألوانه ( يعني ما بين أبيض وأحمر وأصفر وغير ذلك من ألوان العسل.
وذلك على قدر ما تأكل من الثمار والأزهار، ويستحيل في بطونها عسلاً بقدرة الله تعالى ثم يخرج من أفواهها يسيل كاللعاب، وزعم الإمام فخر الدين الرازي أنه رأى في بعض كتب الطب، أن العسل طل من السماء ينزل كالترتجبين فيقع على الأزهار، وأوراق الشجر فتجمعه النحل فتأكل بعضه، وتدخر بعضه في بيوتها لأنفسها لتتغذى به فإذا اجتمع في بيوتها من تلك الأجزاء الطلية شيء كثير، فذلك هو العسل وقال هذا القول أقرب إلى العقل لأن طبيعة الترنجبين تقرب من طبيعة العسل، وأيضاً فإنا نشاهد أن النحل تتغذى بالعسل وأجاب عن قوله تعالى : يخرج من بطونها بأن كل تجويف في داخل البدن يسمى بطناً، فقوله : يخرج من بطونها يعني من أفواهها، وقول أهل الظاهر أولى وأصح لأنا نشاهد أنه يوجد في طعم العسل طعم تلك الأزهار التي تأكلها النحل، وكذلك يوجد لونها وطعمها فيه أيضاً، ويعضد هذا قول بعض أزواج النبي ( ﷺ ) له : أكلت مغافير ؟ قال : لا.
قالت : فما هذه الريح التي أجد منك ؟ قال : سقتني حفصة شربة عسل.
قالت : جرست نحلة العرفط.
العرفط شجر الطلح، وله صمغ يقال لهم المغافير كريه الرائحة فمعنى جرست نحلة العرفط أكلت ورعت من العرفط الذي له الرائحة الكريهة، فثبت بهذا الدليل صحة أهل الظاهر من المفسرين، وأنه يوجد طعم العسل، ولونه وريحه طعم ما يأكله النحل ولونه وريحه لا ما قاله الأطباء من أنه طل لأنه لو كان طلاًّ لكان على لون واحد وطبيعة واحدة.
وقله : إنه طبيعة العسل تقرب من طبيعة الترنجبين فيه نظر، لأن مزاج الترنجبين معتدل إلى الحرارة، وهو ألطف من السكر ومزاج العسل حار يابس في الدرجة الثانية فبينهما