صفحة رقم ١٠٥
ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون " ( قوله عز وجل :( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ( يعني النساء فخلق من آدم حواء زوجته، وقيل : جعل لكم من جنسكم أزواجاً لأنه خطاب عام يعم الكل فتخصيصه بآدم وحواء خلاف الليل ) وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ( الحفدة جمع حافد، وهو المسرع في الخدمة المسارع إلى الطاعة ومنه قوله في الدعاء ( وإليك نسعى ونحفد ) أي نسرع إلى طاعتك، فهذا أصله في اللغة ثم اختلفت أقوال المفسرين فيهم فقال ابن مسعود والنخعي : الحفدة أختان الرجل على بناته وعن ابن مسعود أيضاً، أنه أصهاره فهو بمعنى الأول فعلى هذا القول، يكون معنى الآية وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات، فزوجوهم فيجعل لكم بسببهم الأختان والأصهار.
وقال الحسن وعكرمة والضحاك : هم الخدم.
وقال مجاهد : هم الأعوان وكل من أعانك قد حفدك، وقال عطاء : هم ولد الرجل الذين يعينونه ويخدمونه وقيل : هم أهل المهنة الذين يمتهنون ويخدمون من الأولاد وقال مقاتل والكلبي : البنين هم الصغار والحفدة كبار الأولاد الذي يعينون الرجل على عمله، وقال ابن عباس : هم ولد الولد.
وفي رواية آخرى عنه أنهم بنو امرأة الرجل الذين ليسوا منه وكل هذه الأقوال متقاربة لأن اللفظ يحتمل الكل بحسب المعنى المشترك، وبالجملة فإن الحفدة هم غير البنين، لأن الله سبحانه وتعالى قال : بنين وحفدة فجعل بينهما مغايرة ) ورزقكم من الطيبات ( يعني النعم التي أنعم عليكم من أنواع الثمار والحبوب والحيوان، والأشربة المستطابة الحلال من ذلك كله ) أفبالباطل يؤمنون ( يعني بالأصنام وقيل : بالشيطان يؤمنون وقيل : معناه يصدقون أن لي شريكاً وصاحبة وولداً وهذا استفهام إنكار أي ليس لهم ذلك ) وبنعمة الله هم يكفرون ( يعني أنهم يضيفون ما أنعم الله به عليهم إلى غيره، وقيل معناه إنهم يجحدون ما أحل الله لهم ) ويبعدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض ( يعني الأصنام التي لا تقدر على إنزال المطر الذي في السموات خزائنه، ولا يقدرون على إخراج النبات الذي في الأرض معدنه ) شيئاً ( يعني لا يملك من الرزق شيئاً قليلاً ولا كثيراً، وقيل معناه يعبدون ما لا يرزق شيئاً ) ولا يستطيعون ( يعني ولا يقدرون على شيء يذكر عجز الأصنام عن ايصال نفع أو دفع ضر.
النحل :( ٧٤ - ٧٧ ) فلا تضربوا لله...
" فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير " ( ) فلا تضربوا لله الأمثال ( يعني لا تشبهوا الله بخلقه فإنه لا مثل له، ولا شبيه ولا شريك من خلقه، لأن الخلق كلهم عبيده، وفي ملكه فكيف يشبه الخالق بالمخلوق، أو الرازق بالمرزوق، أو القادر بالعاجز ) إن الله يعلم ( يعني ما أنتم عليه من ضرب الأمثال له ) وأنتم لا تعلمون ( خطأ ما تضربون له من الأمثال.
قوله تعالى ) ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً ( لما نهاهم الله سبحانه وتعالى عن ضرب الأمثال، لقلة علمهم ضرب هو سبحانه وتعالى لنفسه مثلاً، فقال تعالى : مثلكم في إشراككم بالله الأوثان، كمثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر كريم مالك قادر، قد رزقه الله مالاً فهو يتصرف فيه، وينفق منه كيف يشاء، فصريح العقل يشهد بأنه لا تجوز التسوية بينهما في التعظيم والإجلال، فلما لم تجز التسوية بينهما مع استوائهما في الخلقة والصورة البشرية، فكيف يجوز للعقل أن يسوي بين الله عز وجل الخالق القادر على الرزق والإفضال وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر على شيء البتة ؟ وقيل : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر المراد بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هو الكافر، لأنه لما كان محروماً من عبادة الله وطاعته صار كالعبد الذليل الفقير العاجز الذي لا يقدر على شيء، وقيل : إن الكافر لما رزقه الله مالاً فلم يقدم فيه خيراً صار كالعبد الذي لا يملك شيئاً، والمراد بقوله ومن رزقناه منا رزقاً حسناً، المؤمن لأنه لما اشتغل بطاعة الله، وعبوديته والإنفاق في وجوه البر والخير صار كالحر المالك الذي ينفق سراً وجهراً في طاعة الله، وابتغاء مرضاته وهو قوله سبحانه وتعالى ) فهو ينفق منه سراً وجهراً ( فأثابه الله الجنة على ذلك.
فإن قلت : لم قال عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء، وكل عبد هو مملوك وهو غير قادر على التصرف ؟ قلت : إنما ذكر المملوك ليتميز من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جميعاً لأنهما من عباد الله، وقوله : لا يقدر على شيء احترز به عن المملوك المكاتب والمأذون له في التصرف، لأنهما يقدران على التصرف واحتج الفقهاء بهذه الآية على أن العبد لا يملك شيئاً ) هل يستوون ( ولم يقل هل يستويان يعني هل يستوي الأحرار والعبيد، والمعنى كما لا يستوي هذا الفقير البخيل، والغني السخي كذلك لا يستوي الكافر العاصي، والمؤمن الطائع، وقال عطاء في قوله : عبداً مملوكاً هو أبو جهل بن هشام ومن رزقناه منا رزقاً حسناً، هو أبو بكر الصديق ثم قال تعالى ) الحمد لله ( حمد الله نفسه لأنه المستحق لجميع المحامد لأنه المنعم المتفضل على عباده، وهو الخالق الرازق لا هذه الأصنام التي عبدها هؤلاء، فإنها لا تستحق الحمد لأنها جماد عاجز، لا يد لها على أحد ولا معروف، فتحمد عليه إنما الحمد الكامل لله لا لغيره فيعجب على جميع العباد، حمد الله لأنه أهل الحمد والثناء الحسن ) بل أكثرهم ( يعني الكفار ) لا يعلمون )