صفحة رقم ١١٢
وصنارة مثل الإصبع وفلكه عظيمة على قدرها، وكانت تغزل الغزل من الصوف، أو الشعر أو الوبر وتأمر جواريها بالغزل فكن يغزلن من الغداة إلى نصف النهار، فإذا انتصف النهار أمرتهن بنقض جميع ما غزلن، فكان هذا دأبها.
والمعنى : أن هذه المرأة، لم تكف عن العمل ولا حين عملت كفت عن النقض فكذلك من نقض العهد لا تركه ولا حين عاهد وفى به ) أنكاثاً ( جمع نكث وهو ما ينقض من الغزل أو الحبل بعد القتل ) تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ( يعني دغلاً وخيانة وخديعة، والدخل ما يدخل في الشيء على سبيل الفساد، وقيل : الدخل والدغل أن يظهر الرجال الوفاء بالعهد ويبطن نقضه ) أن تكون ( يعني لأن تكون ) أمة هي أربى من أمة ( يعني أكثر وأعلى من أمة.
قال مجاهد : وذلك أنهم كانوا يحالفون الحلفاء فإذا وجدوا قوماً أكثر من أولئك وأعز نقضوا حلف هؤلاء، وحالفوا الأكثر.
والمعنى : أنكم طلبتم العز بنقض العهد لأن كانت أمة أي جماعة أكثر من جماعة فنهاهم الله عن ذلك، وأمرهم بالوفاء بالعهد لمن عاهدوا وحالفوا، ) إنما يبلوكم الله به ( يعني يختبركم بما أمركم به من الوفاء بالعهد وهو أعلم بكم ) وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ( يعني في الدنيا فيثيب الطائع المحق، ويعاقب المسيء الخالف قوله سبحانه وتعالى ) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ( يعني على ملة واحدة ودين واحد، وهو دين الإسلام ) ولكن يضل من يشاء ( يعني بخذلانه إياه عدلاً منه ) ويهدي من يشاء ( بتوفيقه إياه فضلاً منه وذلك مما اقتضته الحكمة الإلهية لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، وهو قوله تعالى ) ولتسألن عما كنتم تعملون ( يعني في الدنيا فيجازى المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته أو يغفر له.
قوله عز وجل ) ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم ( يعني خديعة وفساداً بينكم فتغروا بها الناس فيسكنوا إلى أيمانكم، ويأمنوا إليكم ثم تنقضونها.
وإنما كرر هذا المعنى تأكيداً عليهم وإظهاراً لعظم أمر نقض العهد.
قال المفسرون : وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله ( ﷺ ) على الإسلام نهاهم عن نقض عهده، لأن الوعيد الذي بعده وهو قوله سبحانه وتعالى : فنزل قدم بعد ثبوتها لا يليق بنقض عهد غيره، إنما يليق بنقض عهد رسول الله ( ﷺ ) على الإيمان به وبشريعته وقوله ) فتزل قدم بعد ثبوتها ( مثل يذكر لكل من وقع في بلاء ومحنة بعد عافية ونعمة أو سقط في ورطة بعد سلامة.
تقول العرب لكل واقع في بلاء بعد عافية : زلت قدمه، والمعنى : فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام، بعد ثبوتها عليها ) وتذوقوا السوء ( يعني العذاب ) بما صددتم عن سبيل الله ( يعني بسبب صدكم غيركم عن دين الله وذلك لأن من نقض العهد، فقد علّم غيره نقض العهد فيكون هو أقدمه على ذلك ) ولكم عذاب عظيم ( يعني بنقضكم العهد ) ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً ( يعني ولا تنقضوا عهودكم وتطلبوا بنقضها عوضاً من الدنيا قليلاً، ولكن أوفوا بها ) إنما عند الله ( يعني فإن ما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بالعهد ) هو خير لكم ( يعني من عاجل الدنيا ) إن كنتم تعلمون ( يعني فضل ما بين العوضين ثم


الصفحة التالية
Icon