صفحة رقم ١١٨
الشافعي ومن وافقه قوله سبحانه وتعالى :( لا إكراه في الدين ( ولا يمكن أن يكون المراد نفي ذاته، لأن ذاته موجودة فوجب حمله على نفي آثاره والمعنى أنه لا أثر له ولا عبرة به، وقوله تعالى ) وقلبه مطمئن بالإيمان ( فيه دليل على أن محل الإيمان هو القلب ) ولكن من شرح بالكفر صدراً ( يعني فتحه ووسعه لقبول الكفر واختاره ورضي به ) فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ( يعني في الآخرة ) ذلك بأنهم استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة ( يعني يكون ذلك الإقدام على الارتداد إلى الكفر، لأجل أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ) وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ( يعني لا يرشدهم إلى الإيمان ولا يوفقهم للعمل به ) أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ( تقدم تفسيره ) وأولئك هم الغافلون ( يعني عما يراد بهم من العذاب في الآخرة وهو قوله سبحانه وتعالى ) لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ( يعني أن الإنسان إنما يعمل في الدنيا، ليربح في الآخرة فإذا دخل النار بان خسرانه وظهر غبنه لأنه ضيع رأس ماله، وهو الإيمان ومن ضيع رأس ماله فهو خاسر.
قوله عز وجل ) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ( يعني عذبوا ومنعوا من الدخول في الإسلام فتنهم المشركون ) ثم جاهدوا وصبروا ( على الإيمان والهجرة والجهاد ) إن ربك من بعدها ( يعني من بعد الفتنة التي فتنوها ) لغفور رحيم ( نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة، وكان أخا أبي جهل من الرضاعة، وقيل كان أخاه لأمه وفي أبي جندل بن سهيل بن عمرو والوليد بن الوليد بن المغيرة، وسلمة بن هشام وعبد الله ابن أسد الثقفي فتنهم المشركون، وعذبوهم فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم ثم إنهم بعد ذلك هاجروا وجاهدوا.
وقال الحسن وعكرمة : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي سرح كان قد أسلم، وكان يكتب للنبي ( ﷺ ) فاستنزله الشيطان، فارتد ولحق بدار الحرب فلما كان يوم فتح مكة أمر النبي ( ﷺ ) بقتله فاستجاره عثمان، وكان أخاه لأمه فأجاره رسول الله ( ﷺ ) فأسلم وحسن إسلامه وهذا القول إنما يصح إذا قلنا : إن هذه الآية مدنية نزلت بالمدينة فتكون من الآيات المدنيات في السور المكيات، والله أعلم بحقيقة ذلك قوله سبحانه وتعالى ) يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ( يعني تخاصم وتحتج عن نفسها أي بما أسفلت من خير وشر، واشتغلت بالمجادلة لا تتفرغ إلى غيرها.
فإن قلت : النفس هي نفس واحدة، وليس لها نفس أخرى فما معنى قوله كل نفس تجادل عن نفسها ؟ قلت : إن النفس قد يراد بها بدن الإنسان، وقد يراد بها مجموع ذاته وحقيقته فالنفس الأولى هي مجموع ذات الإنسان وحقيقته والنفس الثانية، هي بدنه فهي عينها وذاتها أيضاً، والمعنى : يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته، ولا يهمه غيره ومعنى هذه المجادلة الاعتذار