صفحة رقم ١٢٢
تعالى ) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ( " الآية ) وما ظلمناهم ( يعني بتحريم ذلك عليهم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( يعني إنما حرمنا عليهم ما حرمنا بسبب بغيهم وظلمهم أنفسهم ونظيره قوله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم.
وقوله تعالى ) ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ( المقصود من هذه الآية بيان فضل الله وكرمه وسعة مغفرته ورحمته، لأن السوء لفظ جامع لكل فعل قبيح فيدخل تحته الكفر وسائر المعاصي وكل ما لا ينبغي وكل من عمل السوء فإنما يفعله بجهالة، لأن العاقل لا يرضى بفعل القبيح فمن صدر عنه فعل قبيح من كفر أو معصية، فإنما يصدر عنه بسبب جهله إما لجهله بقدر ما يترتب عليه من العقاب أو لجهله بقدر من يعصيه، فثبت بهذا أن فعل السوء إنما يفعل بجهالة ثم إن الله تعالى وعد من عمل سوءاً بجهالة ثم تاب، وأصلح العمل في المستقبل أن يتوب عليه ويرحمه وهو قوله تعالى ثم تابوا من بعد ذلك، يعني من بعد عمل ذلك السوء ) وأصلحوا ( يعني أصلحوا العمل في المستقبل، وقيل معنى الإصلاح الاستقامة على التوبة ) إن ربك من بعدها ( يعني من بعد عمل السوء بالجهالة والتوبة منه ) لغفور ( يعني لمن تاب وآمن ) رحيم ( يعني بجميع المؤمنين والتائبين.
قوله سبحانه وتعالى ) إن إبراهيم كان أمة ( حكى ابن الجوزي عن ابن الأنباري أنه قال : هذا مثل قول العرب : فلان رحمة وفلان علامة ونسابة يقصدون بهذا التأنيث قصد التناهي في المعنى الذي يصفونه به.
والعرب توقع الأسماء المبهمة على الجماعة وعلى الواحد كقوله تبارك وتعالى ) فنادته الملائكة ( " وإنما ناداه جبريل وحده، وإنما سمي إبراهيم ( ﷺ ) أمة لأنه اجتمع فيه من صفات الكمال وصفات الخير الأخلاق الحميدة ما اجتمع في أمة.
ومنه قول الشاعر :
ليس على الله بمستنكر
أن يجمع العالم في واحد
" ثم للمفسرين في معنى اللفظة أقوال أحدها : قول ابن مسعود : الأمة معلم الخير يعني أنه كان معلماً للخير يأتّم به أهل الدنيا.
والثاني قال مجاهد : إنه كان مؤمناً وحده والناس كلهم كفار فلهذا المعنى كان أمة واحدة ومنه قوله ( ﷺ ) في زيد بن عمرو بن نفيل ( يبعثه الله أمة واحدة ) وإنما قال فيه المقالة لأنه كان فارق الجاهلية وما كانوا عليه من عبادة الأصنام.
والثالث قال قتادة : ليس من أهل دين إلا وهم يتلونه ويرضونه، وقيل : الأمة فعلة بمعنى مفعولة، وهو الذي يؤتم به وكان إبراهيم عليه السلام إماماً يقتدى به دليله قوله سبحانه وتعالى ) إني جاعلك للناس إماماً ( وقيل إنه عليه السلام هو السبب الذي لأجله جعلت أمته ومن تبعه ممتازين عمن سواهم بالتوحيد لله والدين الحق وهو من باب إطلاق المسبب على السبب، وقيل : إنما سمي إبراهيم عليه السلام أمة لأنه قام مقام أمة في عبادة الله ) قانتاً لله ( يعني مطيعاً لله وقيل هو القائم بأوامر الله ) حنيفاً ( مسلماً يعني مقيماً على دين الإسلام لا يميل عنه ولا يزول.
وهو أو من اختتن وضحّى، وأقام مناسك الحج ) ولم يك من المشركين ( يعني أنه عليه السلام كان من الموحدين المخلصين من صغره إلى كبره ) شاكراً لأنعمه ( يعني أنه كان شاكراً لله على أنعمه التي أنعم بها عليه ) اجتباه ( أي اختاره لنبوته واصفطاه لخلته ) وهداه إلى صراط مستقيم ( يعني هداه إلى دين الإسلام لأنه الصراط المستقيم والدين القويم ) وآتيناه في الدنيا حسنة ( يعني الرسالة والخلة.
وقيل : هي لسان الصدق والثناء الحسن والقبول العام في جميع الأمم فإن الله حببه إلى جميع خلقه فكل أهل الأديان يتلونه المسلمون واليهود والنصارى، ومشركو العرب وغيرهم، وقيل : هو قول المصلي