صفحة رقم ١٣٦
ليلة المعراج، وقد شق أيضاً في صغره وهو عند حليمة التي كانت ترضعه، فالمراد بالشق الثاني زيادة التطهير لمن يراد به من الكرامة ليلة المعراج.
وقوله : أتيت بطست من ذهب، قد يتوهم متوهم أنه يجوز استعمال إناء الذهب لنا وليس الأمر كذلك لأن هذا الفعل من فعل الملائكة، وهو مباح لهم استعمال الذهب أو يكون هذا قد كان قبل تحريمه وقوله ممتلىء إيماناً وحكمة فأفرغها في صدري.
فان قلت الحكمة والإيمان معان والإفراغ صفة الإجسام، فما معنى ذلك ؟ قلت : يحتمل أنه جعل في الطست شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما، فسمي إيماناً وحكمة لكونه سبباً لهما وهذا من أحسن المجاز.
وقوله في صفة آدم عليه السلام : فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة هو جمع سواد، وقد فسره في الحديث بأنه نسم بنيه يعني أرواح بنيه وقد اعترض على هذا، بأن أرواح المؤمنين في السماء وأرواح الكفار تحت الأرض السفلى فكيف تكون في السماء والجواب عنه أنه يحتمل أن أرواح الكفار، تعرض على آدم عليه السلام، وهو في السماء فوافق وقت عرضها على آدم مرور النبي ( ﷺ ) فأخبر بما رأى.
وقوله : فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى فيه شفقة الوالد على أولاده وسروره وفرحه بحسن حال المؤمن منهم، وحزنه على سوء حال الكفار منهم.
وقوله في إدريس مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح قد اتفق المؤرخون على إن إدريس، هو أخنوخ وهو جد نوح عليهما السلام فيكون جد النبي ( ﷺ ) كما أن إبراهيم جده، فكان ينبغي أن يقول بالنبي الصالح والابن الصالح كما قال آدم وإبراهيم عليهما السلام : فالجواب عن هذا أنه قيل : إن إدريس المذكور هنا هو إلياس، وهو من ذرية إبراهيم فليس هو جد نوح هذا جواب القاضي عياض.
قال الشيخ محيي الدين : ليس في الحديث ما يمنع كون إدريس أباً لنبينا محمد ( ﷺ ) وإن قوله : الأخ الصالح يحتمل إن يكون قاله تلطفاً وتأدباً، وهو أخ وإن كان أباً لأن الأنبياء إخوة المؤمنون إخوة والله أعلم.
فصل
في ذكر الآيات التي ظهرت بعد المعراج الدالة على صدقه ( ﷺ ) وسياق أحاديث تتعلق بالإسراء قال البغوي ؛ روي أنه لما رجع رسول الله ( ﷺ ) ليلة أسرى به وكان بذي طوى قال : يا جبريل إن قومي لا يصدقون.
قال : يصدقك أبو بكر وهو الصديق.
قال ابن عباس وعائشة أن رسول الله ( ﷺ ) قال :( لما كانت ليلة أسري بي إلى السماء أصبحت بمكة فضقت بأمري وعرفت أن الناس يكذبوني فروي أنه ( ﷺ ) قعد معتزلاً حزيناً، فمر به أبو جهل فجلس إليه فقال كالمستهزىء هل استفدت من شيء ؟ قال : نعم أسري بي الليلة قال إلى إين قال إلى بيت المقدس قال : أبو جهل : ثم أصبحت بين أظهرنا ؟ قال : نعم فلم يرد أبو جهل أن ينكر ذلك مخافة أن يجحده الحديث، ولكن قال : أتحدث قومك بما حدثتني به.
قال : نعم.
قال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا، فانقضت المجالس وجاؤوا حتى جلسوا إليهما قال : حدث قومك بما حدثتني قال : نعم أسري بي الله قالوا إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين أظهرنا ؟ قال : نعم قال فبقي الناس بين مصفق وبين واضع يده على رأسه متعجباً وارتد أناس ممن كان قد آمن به وصدقه، وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر فقال له هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس قال : أو قد قال ذلك قال نعم قال لئن كان قال ذلك لقد صدق قالوا : أو تصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس وجاء في ليلة قبل أن