صفحة رقم ١٤٥
فسبوهم وقتلوهم وهو قوله تعالى ) ليسوءوا وجوهكم ( يعني ليحزنوكم وقرىء بالنون أي ليسوء الله وجوهكم ) وليدخلوا المسجد ( يعني بيت المقدس ونواحيه ) كما دخلوه أول مرة ( يعني وقت إفسادهم الأول ) وليتبروا ما علوا تتبيراً ( يعني وليهلكوا ما غلبوا عليه من بلاد بني إسرائيل إهلاكاً.
ذكر القصة في هذه الآية
قال محمد بن إسحاق : كانت بنو إسرائيل فيهم الأحداث والذنوب وكان الله في ذلك متجاوزاً عنهم ومحسناً إليهم وكان أول ما نزل بسبب ذنوبهم أن ملكاً منهم كان يدعى صديقة وكان الله إذا ملّك عليهم الملك بعث معه نبياً ليسدده ويرشده، ولا ينزل عليهم كتاباً إنما يؤمرون اتباع التوراة والأحكام التي فيها، فلما ملك صديقة بعث الله معه شعياء وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وشعياء هو الذي بشر بعيسى ومحمد ( ﷺ ) فقال : أبشري أورشليم الآن يأتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير.
فملك ذلك الملك يعني صديقة بني إسرائيل وبيت المقدس زماناً، فلما انقضى ملكه عظمت الأحداث فيهم وكان معه شعياء فبعث الله سنجاريب ملك بابل ومعه ستمائة ألف راية، فلم يزل سائراً حتى نزل حول بيت المقدس، والملك مريض من قرحة كانت في ساقه، فجاء شعياء النبي إليه، وقال : يا ملك بني إسرائيل إن سنحاريب ملك بابل، قد نزل بك هو وجنوده ؟ بستمائة ألف راية، وقد هابهم الناس وفرقوا منهم فكبر ذلك على الملك وقال : يا نبي الله هل أتاك من الله وحي فيما حدث فتخبرنا به وكيف يفعل الله بنا وبسنجاريب وجنوده فقال شعياء : لم يأتني وحي في ذلك فبينما هم على ذلك أوحى الله إلى شعياء النبي، أن أئت ملك بني إسرائيل فمره أن يوصي وصيته، ويستخلف على ملكه من يشاء من أهل بيته فأتى شعياء ملك بني إسرائيل وقال : إن ربك قد أوحى إلي أن آمرك أن توصي وصيتك وتستخلف من شئت على ملكك من أهل بيتك فإنك ميت، فلما قال ذلك شعياء لصديقة الملك أقبل على القبلة فصلى ودعا فقال وهو يبكي ويتضرع إلى الله تعالى بقلب مخلص : اللهم رب الأرباب وإله الآلهة يا قدوس يا متقدس يا رحمن يا رحيم يا رؤوف، يا من لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني إسرائيل، وذلك كله كان منك وأنت أعلم به مني سري وعلانيتي لك.
فاستجاب الله له وكان عبداً صالحاً فأوحى الله إلى شعياء أن يخبر صديقة أن ربه قد استجاب له ورحمه، وأخر أجله خمس عشرة سنة وأنجاه من عدوه سنجاريب فأتاه شعياء فأخبره، فلما قال له ذلك ذهب عنه الوجع وانقطع عنه الحزن وخر ساجداً لله وقال : إلهي وإله آبائي لك سجدت وسبحت وكبرت وعظمت أن الذي تعطي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء على الغيب والشهادة أنت الأول والآخر والظاهر والباطن، وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين أنت الذي أجبت دعوتي ورحمت تضرعي، فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعياء أن قل للملك صديقة فيأمر عبداً من عبيده، فيأتيه بماء التين فيجعله على قرحته فيشفى فيصبح وقد برأ ففعل ذلك فشفي فقال الملك لشيعاء : سل ربك أن يجعل لنا علماً بما هو صانع بعدونا هذا.
قال الله لشعياء : قل له إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم، وأنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنحاريب، وخمسة نفر من كتابه أحدهم بختنصر.
فلما أصبحوا جاء صارخ يصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل إن الله كفاك عدوك، فاخرج فإن سنحاريب ومن معه هلكوا فخرج الملك،


الصفحة التالية
Icon