صفحة رقم ١٤٨
لي يصلون قياماً وقعوداً، وركعاً وسجوداً، ويقاتلون في سبيلي صفوفاً وزحوفاً، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألهمهم التكبير، والتوحيد والتسبيح والتحميد والتهليل والمدحة والتمجيد لي في مسيرهم ومجالسهم، ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأشراف يطهرون لي، الوجوه والأطراف ويعقدون لي الثياب على الأنصاف قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم في صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار ذلك فضلي أوتيه من أشاء أنا ذو الفضل العظيم.
فلما فرغ شعياء من مقالته عدوا عليه ليقلتوه فهرب منهم فلقيته شجرة، فانفلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان، فأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها، وقطعوه في وسطها واستخلف الله على بني إسرائيل بعد ذلك رجلاً منهم يقال : ناشة بن أموص وبعث لهم أرمياء بن حلقيا نبياً، وكان من سبط هرون بن عمران، وذكر ابن إسحاق أنه الخضر واسمه أرمياء الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فقام عنه وهي تهتز خضراء فبعث الله أرمياء إلى ذلك الملك ليسدده ويرشده، ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل، وركبوا المعاصي واستحلوا المحارم فأوحى الله إلى أرمياء، أن ائت قومك من بني إسرائيل فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمي وعرفهم بأحداثهم.
فقال أرمياء : يا رب إني ضعيف إن لم تقوني عاجز إن لم تبلغني مخذول إن لم تنصرني قال الله تعالى : أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي وأن القلوب والألسنة بيدي، أقلبها كيف شئت إني معك، ولن يصل إليك شيء معي فقام أرمياء فيهم، ولم يدر ما يقول فألهمه الله عز وجل في الوقت خطبة بليغة بين لهم فيها ثواب الطاعة، وعقاب المعصية وقال في آخرها : عن الله عز وجل حلفت بعزتي لأقيضن لهم فتنة يتحير فيها الحليم، ولأسلطن عليهم جباراً قاسياً ألبسه الهيبة، وأنزع من صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم، ثم أوحى الله إلى أرمياء أني مهلك بني إسرائيل بيافث ويافث من أهل بابل فسلط عليهم بختنصر فخرج من ستمائة ألف راية ودخل بيت المقدس بجنوده ووطىء الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم وخرب بيت المقدس وأمر جنده أن يملأ كل رجل منهم ترسه تراباً، يقذفه في بيت المقدس ففعلوا ذلك حتى ملؤوه.
ثم أمرهم أن يجمعوا من بلدان بيت المقدس كلهم، فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل فاختار منهم سبعين ألف صبي، فلما خرجت غنائم جنده وأراد أن يقسمها فيهم، قالت له الملوك الذين كانوا معه : أيها الملك لك غنائمنا كلها واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذي اخترتهم من بني إسرائيل، فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمان، وفرق من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق ثلثاً أقرهم بالشام وثلثاً سباهم وثلثاً قتلهم وذهب باناث بيت المقدس، وبالصبيان السبعين ألفاً حتى أقدمهم بابل فكانت هذه الوقعة الأولى التي أنزل الله عز وجل ببني إسرائيل بظلمهم فذلك قوله سبحانه وتعالى :
) فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ( ﷺ )
١٦٤٩ ; لدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ( ﷺ )
١٦٤٩ ; لْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ( ﷺ )
١٦٤٩ ; لآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ( ﷺ )
١٦٤٩ ; لْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً (.
) فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عباداً لنا أولي بأس شديد ( يعني بختنصر وأصحابه، ثم إن يختنصر أقام في سلطانه ما شاء ثم رأى رؤيا عجيبة إذا رأى شيئاً أصابه فأنساه الذي رأى، فدعا دانيال وحنانيا وعزاريا ومشائيل وكانا من ذراري الأنبياء، وسألهم عنها فقالوا : أخبرنا بها نخبرك بتأويلها فقال : ما أذكرها ولئن لم تخبرني بها وبتأويلها لأنزعن أكتافكم فخرجوا من عنده، فدعوا الله وتضرعوا إليه فأعلمهم الله بالذي سألهم عنه فجاؤوه فقالوا : رأيت تمثالاً قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من ذهب، ورأسه وعنقه من حديد