صفحة رقم ١٥٨
على ما فرط منك.
ثم سلّى رسول الله ( ﷺ ) عما كان يرهقه من الإضافة بأن ذلك ليس لهوان بك عليه ولا لبخل منه عليك فقال تعالى ) إن ربك يبسط ( أي يوسع ) الرزق لمن يشاء ويقدر ( أي يقتر ويضيق، وذلك لمصلحة العباد ) إنه كان بعباده خبيراً بصيراً ( يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأحوال جميع عباده، وما يصلحهم فالتفاوت في أرزاق العباد ليس لأجل البخل بل لأجل رعاية مصالح العباد.
قوله عز وجل ) ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ( أي فاقة وفقر ) نحن نرزقهم وإياكم ( وذلك أن أهل الجاهلية، كانوا يئدون بناتهم خشية الفاقة أو يخافون عليهم من النهب والغارات، أو أن ينكحوهن لغير أكفاء لشدة الحاجة وذلك عار شديد عندهم فنهاهم الله عن قتلهن وقال نحن نرزقهم وإياكم، يعني أن الأرزاق بيد الله فكما أنه فتح أبواب الرزق على الرجال فكذلك يفتحه على النساء ) إن قتلهم كان خطئاً كبيراً ( أي إثماً كبيراً ) ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ( أي قبيحة زائدة على حد القبح ) وساء سبيلاً ( أي بئس طريقاً طريقه، وهو أن تغصب امرأة غيرك أو أخته أو بنته من غير سبب والسبب ممكن وهو الصهر الذي شرعه الله تعالى قيل : إن الزنا يشتمل على أنواع من المفاسد منه المعصية وإيجاب الحد على نفسه، ومنها اختلاط الأنساب فلا يعرف الرجل ولد من هو ولا يقوم أحد بتربيته وذلك يوجب ضياع الأولاد، وانقطاع النسل وذلك يوجب خراب العالم.
قوله عز وجل ) ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ( الأصل في القتل هو الحرمة المغلظة، وحل القتل إنما ثبت بسبب عارض، فلما كان كذلك نهى الله عن القتل على حكم الأصل ثم استثنى الحالة التي يحصل فيها حل القتل، وهي الأسباب العرضية فقال إلا بالحق أي إلا بإحدى ثلاث كما روي عن ابن مسعود أن رسول الله ( ﷺ ) قال ( لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) أخرجاه في الصحيحين ) ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سطاناً ( أي قوة وولاية على القاتل بالقتل وقيل : سطانه هو أنه يتخير فإن شاء استقاد منه وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا ) فلا يسرف في القتل ( أي الولي قال بان عباس : لا يقتل غير القاتل وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتى يقتل أشرف منه.
وقيل معناه إذا كان القتيل واحداً فلا يقتل به جماعة بل بواحد وكان أهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفاً فلا يرضون بقتل القاتل وحده حتى يقتلوا معه جماعة من أقربائه، وقيل معناه أن لا يمثل بالقاتل ) إنه كان منصوراً ( قيل الضمير راجع للمقتول ظلماً يعني أنه منصور في الدنيا بايجاب القود على قاتله وفي الآخرة بتكفير خطاياه وايجاب النار لقاتله، وقيل : الضمير راجع إلى ولي


الصفحة التالية
Icon