صفحة رقم ١٨٩
خشوعا " ( قوله سبحانه وتعالى :( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ( يعني أنا ما أردنا بإنزال القرآن إلا تقريره للحق فلما أردنا هذا المعنى فكذلك وقع وحصل.
وقيل : معناه وما أنزلنا القرآن إلا بالحق المقتضي لإنزاله وما نزل إلا ملتبساً بالحق لاشتماله على الهداية إلى كل خير ) وما أرسلناك إلا مبشراً ( يعني بالجنة للمطيعين ) ونذيراً ( أي مخوفاً بالنار للعاصين.
قوله عز وجل ) وقرآناً فرقناه ( أي فصلناه وبيناه وقيل فرقنا به بين الحق الباطل، وقيل : معناه أنزلنا نجوماً لم ينزل مرة واحدة بدليل قوله تعالى ) لتقرأه على الناس على مكث ( أي على تؤده وترسل في ثلاث وعشرين سنة ) ونزلناه تنزيلاً ( أي على حسب الحوادث ) قل آمنوا به أو لا تؤمنوا ( فيه وعيد وتهديد ) إن الذين أوتوا العلم من قبله ( قيل : هم مؤمنوا أهل الكتاب الذين كانوا يطلبون الدين قبل مبعث رسول الله ( ﷺ ) ثم أسلموا بعد مبعثه مثل زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وأبي ذر وغيرهم ) إذا يتلى عليهم ( يعني القرآن ) يخرون للأذقان ( قال ابن عباس : أراد بها الوجوه ) سجداً ( أي يقعون على الوجوه سجداً ) ويقولون سبحان ربنا ( أي تعظيماً لربنا لإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة، من بعثة محمد ( ﷺ ) ) إن كان وعد ربنا لمفعولاً ( أي كائناً واقعاً ) ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ( أي خضوعاً لربهم وقيل يزيدهم القرآن لين قلب، ورطوبة عين فالبكاء مستحب عند قراءة القرآن.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ﷺ ) :( لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا اجتمع على عبدي غبار في سبيل الله ودخان جنهم ) أخرجه الترمذي والنسائي.
وزاد النسائي ( في منخري مسلم أبداً ) الولوج الدخول والمنخر الأنف عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله يقول ( عينان لا تسمهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ) أخرجه الترمذي.
الإسراء :( ١١٠ - ١١١ ) قل ادعوا الله...
" قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا " ( قوله عز وجل :( قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن ( قال ابن عباس : سجد رسول الله ( ﷺ ) ذات ليلة فجعل يقول في سجوده : يا الله يا رحمن فقال أبو جهل : إن محمداً ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين فأنزل الله هذه الآية ومعناه أنهما اسمان لله تعالى فسموه بهذا الاسم أو بهذا الاسم ) أيّاً ما تدعوا ( ما صلة ومعناه أي هذين الاسمين سميتم وذكرتم، أو من جميع أسمائه ) فله الأسماء الحسنى ( يعني إذا حسنت أسماؤه كلها فهذان الاسمان منها ومعنى كونها حسنى أنها مشتملة على معاني التقديس، والتعظيم والتمجيد ) ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها (
( ق ) عن ابن عباس في قوله : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال : نزلت ورسول الله ( ﷺ ) مختف بمكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه سلم : ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم وابتغ بين ذلك سبيلاً زاد في رواية وابتغ بين ذلك سبيلاً أسمعهم، ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن وقيل نزلت الآية في الدعاء وهو قول عائشة والنخعي ومجاهد ومكحول.
( ق ) عن عائشة ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قالت : نزل ذلك في الدعاء.
وقيل : كان أعراب من بني تميم إذا سلم رسول الله ( ﷺ ) قالوا : اللهم ارزقنا مالاً وولداً يجهرون بذلك فأنزل الله عز وجل ( ولا تجهر بصلاتك أي لا ترفع صوتك بقراءتك ودعائك ولا تخافت بها ) المخافتة خفض الصوت، والسكوت ) وابتغ ( أي اطلب ) بين ذلك سبيلاً ( أي طريقاً وسطاً بين الجهر والاخفاء.
عن أبي قتادة أن النبي ( ﷺ ) قال لأبي بكر :