صفحة رقم ٢٠١
فزاده ذلك تعجباً ورأى أنه حيران فقام مسنداً ظهره إلى جدار من جدران المدينة وهو يقول في نفسه والله ما أدري ما هذا أما عشية أمس فليس كان على الأرض من يذكر عيسى ابن مريم إلا قتل وأما اليوم فأسمع كل إنسان يذكر عيسى ابن مريم لا يخاف، ثم قال في نفسه : لعل هذه ليست بالمدينة التي أعرف والله ما أعلم مدينة بقرب مدينتنا فقام كالحيران ثم لقي فتى فقال له ما اسم هذه المدينة يا فتى فقل له أفسوس، فقال في نفسه لعل بي مساً أو أمراً أذهب عقلي والله يحق لي أن أسرع الخروج قبل أن يصيبني فيها شر فأهلك.
فمضى إلى الذين يبتاعون الطعام فأخرج لهم الورق التي كانت معه وأعطاها رجلاً منهم وقال له بعني بهذه الورق طعاماً، فأخذها الرجل ونظر ألى ضرب الورق ونقشها فعجب منها فناولها رجلاً آخر من أصحابه فنظر ثم جعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل ويتعجبون منها ويتشاورون بينهم، ويقول بعضهم لبعض : إن هذا أصاب كنزاً خبيئاً في الأرض منذ زمن طويل فلما رآهم تمليخاً يتحدثون فيه فرق فرقاً شديداً وخاف وجعل يرعد ويظن أنهم قد فطنوا به وعرفوه وأنهم إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقيانوس، وجعل أناس يأتونه وتعرفونه فلا يعرفونه فقال لهم وهو شديد الخوف منهم : أفضلوا علي قد أخذتم ورقي فأمسكوها وأما طعامك فلا حاجة لي به، فقالوا له يا فتى من أنت وما شأنك والله لقد وجدت كنزاً من كنوز الأولين وأنت تريد أن تخفيه منا انطلق معنا وأرناه وشاركنا فيه نخفف عليك ما وجدت، وإنك إن لم تفعل نحملك إلى السلطان فنسلمك إليه فيقتلك فلما سمع قولهم قال والله قد وقعت في كل شيء كنت أحذر منه، فقالوا له يا فتى إنك والله لا تستطيع أن تكتم ما وجدت وجعل تمليخا ما يدري ما يقول لهم وخاف حتى لم يجر على لسانه إليهم شيء، فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه فطرحوه في عنقه وجعلوا يسحبونه في سكك المدينة حتى سمع به من فيها، وقيل قد أخذ رجل معه كنز فاجتمع عليه أهل المدينة وجعلوا ينظرون إليه ويقولون والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة وما رأيناه فيها قط وما نعرفه، وجعل تمليخا لا يدري ما يقول لهم، وكان متيقناً أن أباه وإخوته بالمدينة وأنه من عظماء أهلها وأنهم سيأتونه إذا سمعوا به فبينما هو قائم كالحيران ينتظر متى يأتيه بعض أهله فيخلصه من أيديهم إذا اختطفوه وانطلقوا به إلى رئيسي المدينة ومدبريها، اللذين يدبران أمرها وهما رجلان صالحان اسم أحدهما أريوس واسم الآخر طنطيوس، فلما انطلقوا به إليهما ظن تمليخا أنه إنما ينطلق به إلى دقيانوس الجبار فجعل يلتفت يميناً وشمالاً، وهو يبكي والناس يسخرون منه كما يسخرون من المجنون ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إله السماء وإله الأرض أفرغ علي اليوم صبراً وأولج معي روحاً منك تؤيدني به عند هذا الجبار، وجعل يقول في نفسه فرقوا بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت ويا ليتهم يأتونني فنقوم جميعاً بين يدي هذا الجبار فإنا قد كنا تواثقنا على الإيمان بالله وأن لا نشرك به أحداً أبداً ولا نفترق في حياة ولا موت فلما انتهى إلى الرجلين الصالحين أريوس وطنطيوس ورأى أنه لم يذهب إلى دقيانوس، أفاق وذهب عنه البكاء وأخذ أريوس وطنطيوس الورقة ونظرا إليها وعجبا منها وقال أين الكنز الذي وجدت يا فتى فقال تمليخا : ما وجدت كنزاً ولكن هذا ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن والله ما أدري ما شأني وما أوقول لكم فقال له أحدهما : ممن أنت فقال تمليخا أما أنا فكنت أرى أني من أهل هذه المدينة فقيل له : ومن أبوك ومن يعرفك بها فأخبرهم بأسم أبيه، فلم يوجد من يعرفه ولا


الصفحة التالية
Icon