صفحة رقم ٢١٣
لأنه لم يعطني الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها ) قال له صاحبه ( يعني المؤمن ) وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ( أي خلق أصلك من تراب لأن خلق أصله سبب في خلقه فكان خلقاً له ) ثم من نطفة ثم سواك رجلاً ( أي عداك بشراً سوياً وكملك إنساناً ذكراً بالغ مبلغ الرجال ) لكنا هو الله ربي ( مجازه لكن أنا هو الله ربي ) ولا أشرك بربي أحداً ولولا ( أي هلا ) إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله ( والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها ما شاء الله اعترافاً بأنها وكل خير فيها إنما حصل بمشيئة الله تعالى وفضله وأن أمرها بيده وأنه إن شاء تركها عامرة وإن شاء تركها خراباً ) لا قوة إلا بالله ( أي وقلت لا قوة إلا بالله إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها بمعونة الله وتأييده ولا أقدر على حفظ مالي ودفع شيء عنه إلا بالله.
روي عن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى من ماله شيئاً يعجبه أو دخل حائطاً من حيطانه قال ما شاء الله لا قوة إلا بالله الحائط البستان ) إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً ( أي لأجل ذلك تكبرت علي وتعظمت ) فعسى ربي ( أي فلعل ربي ) أن يؤتين ( أي يعطيني ) خيراً من جنتك ( يعني في الآخرة ) ويرسل عليها ( أي على جنتك ) حسباناً ( قال ابن عباس : ناراً، وقيل مرامي ) من السماء ( وهي الصواعق فتهلكها ) فتصبح صعيداً زلقاً ( أي أرضاً جرداء ملساء لا نبات فيها وقيل تزلق فيها الأقدام وقيل رملاً هائلاً ) أو يصبح ماؤها غوراً ( غائراً ذاهباً لا تناله الأيدي ولا الدلاء ) فلن تستطيع له طلباً ( يعني إن طلبته لم تجده ) وأحيط بثمره ( يعني أحاط العذاب بثمر جنته وذلك أن الله تعالى أرسل عليها من السماء ناراً فأهلكها وغار ماؤها ) فأصبح ( يعني صاحبها الكافر ) يقلب كفيه ( يصفق بكف على كف ويقلب كفيه ظهراً لبطن تأسفاً وتلهفاً ) على ما أنفق فيها ( المعنى فأصبح يندم على ما أنفق في عمارتها ) وهي خاوية على عروشها ( أي ساقطة سقوفها وقيل إن كرومها المعرشة سقطت عروشها في الأرض ) ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً ( يعني أنه تذكر موعظة أخيه المؤمن فعلم أنه أتى من جهة شركه وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركاً ) ولم تكن له فئة ( أي جماعة ) ينصرونه من دون الله ( أي يمنعونه من عذاب الله ) وما كان منتصراً ( أي ممتنعاً لا يقدر على الانتصار لنفسه وقيل معناه لا يقدر على رد ما ذهب منه.
وقوله سبحانه وتعالى


الصفحة التالية
Icon