صفحة رقم ٢٢٨
قال في الأولى فأردت وفي الثانية فأردنا وفي الثالثة فأراد ربك وما وجه كل واحدة في هذه الألفاظ.
قلت إنه لما ذكر العيب أضافة إلى نفسه على سبيل الأدب مع الله تعالى، فقال فأردت أن أعيبها ولما قتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيهاً على أنه من العلماء العظماء في علم الباطن وعلوم الحكمة، وأنه لم يقدم على مثل هذا القتل إلا بحكمة عالية، ولما ذكر عليه المصالح في مال اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله سبحانه وتعالى لأن حفظ الأبناء وصلاح أحوالهم لرعاية حق الآباء ليس إلا لله سبحانه وتعالى، فلأجل ذلك أضافه إلى الله تعالى ) ويستخرجا كنزهما ( يعني إذا بلغا وعقلا وقويا ) رحمة من ربك ( أي نعمة من ربك ) وما فعلته عن أمري ( أي باختياري ورأيي بل فعلته بأمر والله وإلهامه إياي لأن تنقيض أموال الناس وإراقة دمائهم وتغيير أصولهم، لايكون إلا بالنص وأمر الله تعالى.
واستدل بعضهم بقوله سبحانه وتعالى وما فعلته عن أمري على أنه الخضر كان نبياً لأن هذا يدل على الوحي وذلك للأنبياء، والصحيح أنه ولي الله وليس بنبي، وأجيب عن قوله سبحانه وتعالى وما فعلته عن أمري إنه إلهام من الله سبحانه وتعالى له بذلك، وهذه درجة الأولياء.
وقيل معناه إنما فعلت هذه الأفعال لغرض أن تظهر رحمة الله لأنهما بأسرها ترجع إلى معنى واحد وهو تحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى.
) ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً ( أي لم تطق أن تصبر عليه.
روي أن موسى عليه السلام لما أراد أن يفارق الخضر قال : أوصني قال : لا تطلب العلم لتحدث به واطلب العلم لتعمل به.
واختلف العلماء في أن الخضر حي أم ميت فقيل إنه حي وهو قول الأكثرين من العلماء وهو متفق عليه عند مشايخ الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة والحكايات في رؤيته والاجتماع به، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصر، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاواه : هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة.
هذا آخر كلامه، وقيل إن الخضر وإلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم وكان السبب في حياة الخضر فيما حكي أنه شرب من عين الحياة وذلك أن ذو القرنين دخل الظلمة لطلب عن الحياة، وكان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فاغتسل وشرب منها وصلى شكراً لله تعالى وأخطأ ذو القرنين الطريق، فرجع وذهب أخرون إلى أنه ميت لقوله سبحانه وتعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وقال النبيّ ( ﷺ ) بعدما صلى العشاء ليلة ( أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ولو كان الخضر حياً لكان لا يعيش بعده ).
الكهف :( ٨٣ - ٩١ ) ويسألونك عن ذي...
" ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا " ( وقوله عز وجل ) ويسألونك عن ذي القرنين ( قيل اسمه مرزبان بن مرزبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح وقيل اسمه الاسكندر بن فيلفوس كذا صح الرومي، وكان ولد عجوز ليس لها ولد غيره ونقل الإمام فخر الدين في تفسيره عن أبي الريحان السروري المنجم في كتابه المسمى بالآثار الباقية عن القرون الخالية أنه من حمير واسمه أبو كرب سمي ابن عير بن أبي أفريقيس الحميري وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول
قد كان ذو القرنين جدي مسلماً
ملكاً علا في الأرض غير مفند
بلغ المشارق والمغارب يبتغي
أسباب ملك من كريم مرشد
فرآى مآب الشمس عند غروبها
في عين ذي خلب وثأطه حرمد
قوله فرأى مآب الشمس، أي ذهاب الشمس وقوله في عين ذي خلب أي حمأة، والثأطة


الصفحة التالية
Icon