صفحة رقم ٢٤١
لأنه يرى نفسه خارجاً من مكان قد كان فيه، ويوم يموت لأنه يرى قوماً ما شاهدهم قط، ويوم يبعث لأنه يرى مشهداً عظيماً فأكرم الله تعالى يحيى في هذه المواطن كلها فخصه بالسلامة فيها.
قوله عز وجل ) واذكر في الكتاب ( أي في القرآن ) مريم إذا انتبذت ( أي تنحت واعتزلت ) من أهلها ( أي من قومها ) مكاناً شرقياً ( أي مكاناً في الدار ما يلي المشرق، وكان ذلك اليوم شاتياً شديد البرد فجلست في مشرقه تفلي رأسها وقيل إن مريم كانت قد طهرت من الحيض فذهبت تغتسل، قيل ولهذا المعنى اتخذت النصارة المشرق قبلة ) فاتخذت ( أي فضربت ) من دونهم حجاباً ( قال ابن عباس أي ستراً وقيل جلست وراء جدار، وقيل إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها، حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد، فبينما هي تغتسل من الحيض قد تجردت، إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد وضيء الوجه سوي الخلق فذلك.
قوله تعالى ) فأرسلنا إليها روحنا ( يعني جبريل ) فتمثل لها بشراً سوياً ( أي سوي الخلق لم ينقص من الصورة الآدمية شيئاً، وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه، ولو بدا لها في صورة الملائكة لنفرت عنه ولم تقدر على استماع كلامه، وقيل المراد من الروح روح عيسى جاءت في صورة بشر فحملت به والقول الأول أصح، فلما رأت مريم جبريل عليه السلام يقصد نحوها بادرته من بعيد ) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ( أي مؤمناً مطيعاً لله تعالى، دل تعوذها من تلك الصورة الحسنة على عفتها وروعها.
فإن قلت إنما يستعاذ من الفاجر فكيف قالت إن كنت تقياً.
قلت هذا كقول القائل إن كنت مؤمناً فلا تظلمني أي ينبغي أن يكون إيمانك مانعاً من الظلم، كذلك ها هنا معناه ينبغي أن تكون تقواك مانعة لك من الفجور ) قال ( لها جبريل عليه السلام ) إنما أنا رسول ربك لأهب ( أسند الفعل إليه وإن كانت الهبة من الله تعالى لأنه أرسل به ) لك غلاماً زكياً ( قال ابن عباس ولداً صالحاً طاهراً من الذنوب ) قالت ( مريم ) أنى يكون لي ( أي من أين يكون لي ) غلام ولم يمسسني بشر ( أي ولم يقربني زوج ) ولم أك بغياً ( أي فاجرة تريد أن الولد إنما يكون من نكاح أو سفاح ولم يكن ها هنا واحد منهما ) قال ( جبريل ) كذلك قال ربك ( أي هكذا قال ربك ) هو علي هين ( أي خلق ولدك بلا أب ) ولنجعله آية للناس ( أي علامة لهم ودلالة على قدرتنا ) ورحمة منا ( أي ونعمة لمن تبعه على دينه إلى بعثه محمد ( ﷺ ) ) وكان أمراً مقضياً ( أي محكوماً


الصفحة التالية
Icon