صفحة رقم ٢٤٨
على الكفر فيكون من أهل النار فحمل الخوف على ظاهره أولى.
واعلم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام رتب هذا الكلام في غاية الحسن مقروناً بالتلطف والرفق، فإن قوله في مقدمة كلامه يا أبت دليل على شدة الحب والرغبة في صرفه عن العقاب وإرشاده إلى الصواب، لأنه نبه أولاً على ما يدل على المنع من عبادة الأصنام ثم أمره باتباعه في الإيمان، ثم نبه على أن طاعة الشيطان غير جائزة في العقول ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإقدام على ما لا ينبغي بقوله إني أخاف ) أن يَمَسَّك ( أي يصيبك ) عذاب من الرحمن ( أي إن أقمت على الكفر ) فتكون للشيطان ولياً ( أي قريناً في النار، وقيل صديقاً له في النار، وإنما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام هذا مع أبيه لأمور أحدها : لشدة تعلق قلبه بصلاحية أبيه وأداء حق الأبوة والرفق به، وثانيها : أن النبيّ الهادي إلى الحق لا بد أن يكون رفيقاً لطيفاً حتى يقبل منه كلامه، وثالثها : النصح لكل أحد فالأب أولى ) قال ( يعني أباه مجيباً له ) أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ( أي أتاركها أنت وتارك عبادتها ) لئن لم تتنه ( أي ترجع وتسكت عن عيبك آلهتنا وشتمك إياها ) لأرجمنك ( قال ابن عباس : معناه لأضربنك، وقيل لأقتلنك بالحجارة، وقيل لأشتمنك، وقيل لأبعدنك عني بالقول القبيح والقول الأول هو الصحيح ) واهجرني ( أي اجتنبني قال ابن عباس : اعتزلني سالماً لا يصيبنك مني معرة ) مليئاً ( أي دهراً طويلاً.
مريم :( ٤٧ - ٥٧ ) قال سلام عليك...
" قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا " ( ) قال ( يعني إبراهيم ) سلام عليك ( أي سلمت مني لا أصيبك بمكروه وذلك لأنه لم يؤمن بقتاله على كفره، وقيل هذا سلام هجران ومفارقة، وقيل هو سلام بر ولطف وهو جواب الحليم للسفيه ) سأستغفر لك ربي (، قيل إنه لما أعياه أمره وعده أن يراجع الله فيه فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له، وقيل معناه سأسأل لك ربي توبة تنال بها المغفرة ) إنه كان بي حفياً ( أي براً لطيفاً والمراد أنه يستجيب لي إذا دعوته لأنه عودني الإجابة لدعائي ) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ( أي أفارقكم وأفارق ما تعبدون من دون الله وذلك أنه فارقهم وهاجر إلى الأرض المقدسة ) وأدعو ربي ( أي أعبد ربي الذي خلقني وأنعم علي ) عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقياً ( أي أرجو أن لا أشقى بدعاء ربي وعبادته كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام، ففيه التواضع له مع التعريض بشقاوتهم.
قوله عز وجل ) فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله ( أي ذهب مهاجراً ) وهبنا له ( أي بعد الهجرة ) إسحاق ويعقوب ( أي آنسنا وحشته من فراقهم بأولاد أكرم على الله من أبيه ) وكلاًّ جعلنا نبياً ( أي أنعمنا عليهما بالنبوة ) ووهبنا لهم من رحمتنا ( أي مع ما وهبنا لهم من النبوة وهبنا لهم المال والولد وذلك أنه بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق وكثرة الأولاد ) وجعلنا لهم لسان صدق علياً (