صفحة رقم ٢٨٢
أراد النبي ( ﷺ ) كان إذا نزل عليه جبريل بالقرآن يبادره فيقرأ معه أن يفرغ جبريل مما يريده من التلاوة ومخافة الانفلات أو النسيان فنهاه الله تعالى عن ذلك فقال تعالى ) ولا تعجل بالقرآن ( أي ولا تعجل بقراءته ) من قبل أن يقضى إليك وحيه ( أي من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ وقيل معناه لا تقرئه أصحابك ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معناه ) وقل رب زدني علماً ( فيه التواضع والشكر لله والمعنى زدني علماً إلى ما علمت فإن لك في كل شيء علماً وحكمة، قيل ما أمر الله رسوله ( ﷺ ) بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم.
وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية يقول اللهم زدني علماً وإيماناً ويقيناً قوله عزّ وجلّ ) ولقد عهدنا إلى آدم ( يعني أمرنا وأوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة ) من قبل ( أي من هؤلاء الذين نقضوا عهدي وتركوا الإيمان بي وهم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله تعالى ) لعلهم يتقون ( ) فنسي ( أي فترك ما عهدنا إليه من الاحتراز عن أكل هذه الشجرة وأكل منها، وقيل أراد النسيان الذي هو ضد الذكر ) ولم نجد له عزماً ( أي صبراً عما نهي عنه وحفظاً لما أمر به، وقيل معناه لم نجد له رأياً معزوماً حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له، وقيل معناه لم نجد له عزماً على المقام على المعصية فيكون إلى المدح أقرب قوله عز وجل ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس إبى ( أن يسجد ) فقلنا يا آدم إن هذا ( أي إبليس ) عدو لك ولزوجتك ( إي حواء وسبب العداوة ما رأى من آثار نعمة الله على آدم فحسده فصار عدواً له ) فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ( أسند الخروج إليه، وإن كان الله تعالى هو المخرج لأنه لما كان بوسوسته وفعل آدم ما يترتب عليه الخروج صح ذلك.
ومعنى تشقى تتعب وتنصب ويكون عيشك من كد يمينك بعرق جبينك، وهو الحرث والزرع والحصد والطحن والخبز قيل أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه فكان ذلك شقاءه.
فإن قلت لم أسند الشقاء إلى آدم دون حواء.
قلت فيه وجهان أحدهما : أن في ضمن شقاء الرجل شقاء أهله، كما أن في سعادته سعادتهم لأنه القيم عليهم.
الثاني : إنه أريد بالشقاء التعب في طلب القوت وذلك على الرجل دون المرأة لأن الرجل هو الساعي على زوجته ) إن لك أن لا تجوع فيها ( يعني الجنة ) ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ( أي تعطش ) ولا تضحى ( أي تبرز للشمس فيؤذيك حرها لأنه ليس في الجنة شمس وأهلها في ظل ممدود والمعنى أن الشبع والري والكسوة والسكن هي الأمور التي يدور عليها كفاف الإنسان.
فذكر الله تعالى