صفحة رقم ٢٩١
من لدنا لأنكم لا تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره ) إن كنا فاعلين ( يعني ما كنا فاعلين، وقيل ما كنا ممن يفعل ذلك لأنه لا يليق بالربوبية ) بل ( يعني دع ذلك الذي قالوا فإنه كذب وباطل ) نقذف ( يعني نرمي ونسلط ) بالحق ( يعني بالإيمان ) على الباطل ( يعني على الكفر، وقيل الحق قول الله أنه لا ولد له والباطل قولهم اتخذ الله ولداً ) فيدمغه ( فيهلكه ) فإذا هو زاهق ( يعني ذاهب والمعنى أنا نبطل كذبهم بما نبين من الحق حتى يذهب ويضمحل، ثم أوعدهم على كذبهم فقال تعالى ) ولكم الويل ( يا معشر الكفار ) مما تصفون ( الله بما لا يليق من الصحابة والولد ) وله من في السموات والأرض ( يعني عبيداً وملكاً وهو الخالق لهم والمنعم عليهم بأصناف النعم ) ومن عنده ( يعني الملائكة وإنما خص الملائكة وإن كانوا داخلين في جملة من في السموات لكرامتهم ومزيد الاعتناء بهم ) لا يستكبرون عن عبادته ( يعني لا يتكبرون ولا يتعظمون عنها ) ولا يستحسرون ( يعني لا يعيون ولا يتبعون، وقيل لا ينقطعون عن العبادة ثم وصفهم الله تعالى ) يسبحون الليل والنهار لا يفترون ( يعني لا يضعفون ولا يسأمون، وذلك أن تسبيحهم متصل دائم لا يفتر في جميع أوقاتهم لا تتخلله فترة بفراغ أو شغل أخر قال كعب الأحبار التسبيح لهم كالنفس لبني آدم ) آم اتخذوا آلهة من الأرض ( يعني الأصنام من الحجارة والخشب وغيرهم من المعادن وهي من الأرض ) هم ينشرون ( يعني يحيون الأموات، إذ لا يستحق الإلهية إلا من يقدر على الإحياء والإيجاد من العدم والإنعام بأبلغ وجوه النعم، وهو الله عز وجل ) لو كان فيهما ( يعني في السماء والأرض ) آلهة إلا الله ( يعني غير الله ) لفسدتا ( يعني لخربتا وهلك من فيهما الوجود والتمانع من الآلهة لأن كل أمر صدر عن الاثنين فأكثر لم يجر على النظام وقال الإمام فخر الدين الرازي قال المتكلمون القول بوجود إلهين يفضي إلى المحال، فوجب أن يكون القول بوجود إلهين محالاً، وإنما قلنا إنه يفضي إلى المحال لأنا لو فرضنا وجود إلهين، فلا بد وأن يكون كل واحد منهما قادراً على كل المقدورات، ولو كان كذلك لكان كل واحد منهما قادراً على تحريك زيد وتسكينه.
لو فرضنا أن أحدهما أراد تحريكه وأراد تسكينه، فإما أن يقع المرادان وهو محال لاستحالة الجمع بين الضدين أو لا يقع واحد منهما وهو محال لأن المانع من وجود مراد كل واحد منهما مراد الآخر فلا يمتنع مراد هذا إلا عند وجود مراد ذلك وبالعكس فلو امتنعن معاً وذلك محال أو يقع مراد أحدهما : دون الثاني وذلك أيضاً محال لوجهين أحدهما أنه لو كان كل واحد منهما قادراً على ما لا نهاية له امتنع كون أحدهما أقدر من الآخر، بل لا بد وأن يستويا في القدرة وإذا استويا في القدرة استحال أن يصير مراد أحدهما أولى بالوقوع من مراد الثاني وإلا لزم ترجيح الممكن من غير مرجح.
وثانيهما : أنه إذا وقع مراد أحدهما دون الآخر فالذي وقع مراده يكون قادراً والذي لم يقع مراده يكون عاجزاً والعجز نقص، وهو على الإله محال.
ولو فرضنا إلهين، لكان كل واحد منهما قادراً على جميع المقدورات فيفضي إلى وقوع مقدور من قادرين مستقلين من وجه واحد، وهو محال لأن إسناد الفعل إلى الفاعل إنما كان لإمكانه،