صفحة رقم ٣
ترون السماوات مرفوعة بغير عمد من تحتها يعني ليس من دونهما دعامة تدعمها ولا من فوقها علاقة تمسكها، والمراد نفي العمد بالكلية.
قال إياس بن معاوية : السماء مقبية على الأرض مثل القبة، وهذا قول الحسن وقتادة و جمهور المفسرين، وإحدى الروايتين عن ابن عباس.
و القول الثاني : إن الرؤية ترجع إلى العمد، والمعنى أن لها عمداً ولكن لا ترونها أنتم، ومن قال بهذا القول يقول : إن عمدها على جبل قاف، وهو جبل من زمرد محيط بالدنيا، والسماء عليه مثل القبة، وهذا قول مجاهد وعكرمة والرواية الأخرى عن ابن عباس، والقول الأول أصح، وقوله تعالى ) ثم استوى على العرش ( تقدم تفسيره والكلام عليه في سورة الأعراف بما فيه كفاية ) وسخر الشمس والقمر ( يعني ذللهما لمنافع خلقه فهما مقهوران، يجريان على ما يريد ) كلُّ يجري لأجل مسمى ( يعني إلى وقت معلوم، وهو وقت فناء الدنيا وزوالها.
و قال ابن عباس : أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما يعني أنهما يجريان في منازلهما ودرجاتهما إلى غاية ينتهيان إليها ولا يجاوزانها، وتحقيقه أن الله تعالى جعل لكل واحد من الشمس والقمر سيراً خاصاً إلى جهة بمقدار خاص من السرعة والبطء في الحركة، ) يدبر الأمر ( يعني أنه تعالى يدبر أمر العالم العلوي و السفلي، ويصرفه ويقضيه بمشيئته، وحكمته، على أكمل الأحوال لا يشغله شأن عن شأن، وقيل : يدبر الأمر بالإيجاد والإعدام والإحياء و الإماتة، ففيه دليل على كمال القدرة والرحمة، لأن جميع العالم محتاجون إلى تدبيره ورحمته، داخلون تحت قهره وقضائه وقدرته ) يفصل الآيات ( يعني أنه تعالى يبين الآيات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته، وقيل : إن الدلائل الدالة على وجود الصانع قسمان : الأول : الموجودات المشاهدة، وهي خلق السماوات والأرض وما فيهما من العجائب وأحوال الشمس والقمر وسائر النجوم وهذا قد تقدم ذكره.
والقسم الثاني : الموجودات الحادثة في العالم، وهي الموت بعد الحياة والفقر بعد الغنى والضعف بعد القوة إلى غير ذلك من أحوال هذا العالم، وكل ذلك مما يدل على وجود الصانع و كمال قدرته ) لعلكم بلقاء ربكم توقنون ( يعني أنه تعالى يبين الآيات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته لكي توقنوا، وتصدقوا بلقائه والمصير إليه بعد الموت لأن من قدر على إيجاد الإنسان بعد عدمه قادر على إيجاده وإحيائه بعد موته، واليقين صفة من صفات العلم، وهو فوق المعرفة والدراية وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم وزوال الشك، يقال منه استيقن وأيقن بمعنى علم.
الرعد :( ٣ - ٧ ) وهو الذي مد...
" وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " ( قوله تعالى :( وهو الذي مد الأرض ( لما ذكر الدلالة على وحدانيته و كمال قدرته وهي رفع السمأوات بغير عمد، وذكر أحوال الشمس والقمر أردفها بذكر الدلائل الأرضية، فقال : وهو الذي مد الأرض أي بسطها على وجه الماء، وقيل : كانت الأرض مجتمعة فمدها من تحت البيت الحرام، وهذا القول إنما يصح إذا قيل إن الأرض منسطحة كالأكف، وعند أصحاب الهيئة : الأرض كرة، ويمكن أن يقال : إن الكرة إذا كانت كبيرة عظيمة فإن كل قطعة منها تشاهد ممدودة كالسطح الكبير العظيم، فحصل الجمع ومع ذلك فالله تعالى قد أخبر أنه مد الأرض، وأنه دحاها وبسطها وكل ذلك يدل على التسطيح والله تعالى أصدق قيلاً وأبين دليلاً من أصحاب الهيئة ) وجعل فيها (.
يعني في الأرض ) رواسي ( يعني جبالاً ثابتة، يقال : رسا الشيء يرسو إذا ثبت وأرساه غير أثبته قال ابن عباس : كان أبو قبيس أول جبل وضع على الأرض ) وأنهاراً (، يعني وجعل في الأرض أنهاراً جارية لمنافع الخلق ) ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ( يعني صنفين اثنين أحمر وأصفر وحلواً وحامضاً ) يغشي الليل النهار (،


الصفحة التالية
Icon