صفحة رقم ٣٠٠
) ثم نكسوا على رؤوسهم ( قال أهل التفسير أجرى الله الحق على ألسنتهم في القول الأول وهو إقرارهم على أنفسهم بالظلم ثم أدركتهم الشقاوة فرجعوا إلى حالهم الأولى وهو قوله : ثم نكسوا على رؤوسهم أي ردوا إلى الكفر وقالوا ) لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ( يعني فكيف نسألهم، فلما اتجهت الحجة لإبراهيم عليهم ) قال ( لهم ) أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ( يعني إن عبدتموه ) ولا يضركم ( يعني إن تركتم عبادته ) أف لكم ( يعني تباً لكم ) ولما تعبدون من دون الله ( والمعنى أنه حقرهم وحقر معبودهم ) أفلا تعقلون ( يعني أليس لكم عقل تعقلون به أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة ؟ فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب ) قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم ( يعني أنكم لا تنصرونها إلا بتحريق إبراهيم لأنه يعيبها ويطعن فيها ) إن كنتم فاعلين ( يعني ناصرين آلهتكم.
قال ابن عمر : الذي قال هذا رجل من الأكراد قيل اسمه هيزن فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
وقيل : قاله نمرود بن كنعان بن سنحاريب بن نمرود بن كوش بن حام بن نوح.
ذكر القصة في ذلك
فلما اجتمع نمرود وقومه لإحراق إبراهيم حبسوه في بيت وبنوا بنياناً كالحظيرة بقرية يقال لها كوثى ثم جمعوا له صلاب الحطب وأصناف الخشب مدة شهر حتى كان الرجل يمرض فيقول : لئن عوفيت لأجمعن حطباً لإبراهيم وكانت المرأة تنذر في بعض ما تطلب لئن أصابته لتحتطبن في نار إبراهيم، وكانت المرأة تغزل وتشتري الحطب بغزلها احتساباً في دينها، وكان الرجل يوصي بشراء الحطب من ماله لإبراهيم، فلما جمعوا ما أرادوا أشعلوا في كل ناحية من الحطب ناراً فاشتعلت النار واشتدت حتى إن الطير ليمر بها فتحرق من شدة وهجها وحرها، فأوقدوا عليها سبعة أيام، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم لم يعلموا كيف يلقونه، فقيل إن إبليس جاء وعلمهم عمل المنجنيق فعملوه ثم عمدوا إلى إبراهيم فقيدوه ورفعوه على رأس البنيان ووضعوه في المنجنيق مقيداً مغلولاً، فصاحت السماء والأرض ومن فيها من الملائكة وجميع الخلق إلا الثقلين صيحة واحدة : أي ربنا إبراهيم خليلك يلقى في النار وليس في أرضك أحد يعبدك غيره، فأذن لنا في نصرته فقال الله تعالى : إنه خليلي ليس لي خليل غيره وأنا إلهه ليس له إله غيري فإن استغاث بأحد منكم أو دعاه فلينصره فقد أذنت له في ذلك، وإن لم يدع غيري، فأنا أعلم به وأنا وليه فخلوا بيني وبينه، فلما أرادوا إلقاءه في النار أتاه خازن المياه وقال : إن أردت أخمدت النار، وأتاه خازن الهواء وقال : إن شئت طيرت النار في الهواء فقال إبراهيم : لا حاجة لي إليكم حسبي الله ونعم الوكيل.
وروي عن أبي بن كعب أن إبراهيم قال حين أوثقوه في النار : لا إله إلا أنت سبحانك لك