صفحة رقم ٣٠٤
وفيه دليل لمن يقول بأن أقل الجمع اثنان لقوله وكنا لحكمهم والمراد به داود وسليمان قال ابن عباس وغيره.
إن رجلين دخلا على داوود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم فقال صاحب الزرع إن غنم هذا دخلت زرعي ليلاً فوقعت فيه فأفسدته فلم تبق منه شيئاً فأعطاه رقاب الغنم بالزرع، فخرجا فمرا على سليمان فقال : كيف قضى بينكما فأخبراه فقال سليمان : لو وليت أمركما لقضيت بغير هذا وروي أنه قال غير هذا أرفق بالفريقين، فأخبر بذلك داود فدعاه وقال : كيف تقضي ويروى أنه قال له بحق النبوة والأبوة إلا ما أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين ؟ قال أدفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويزرع صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه، فاذا صار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى صاحبه وأخذ صاحب الغنم غنمه فقال داود : القضاء ما قضيت وحكم بذلك، فقيل : كان لسليمان يوم حكم بذلك من العمر إحدى عشر سنة.
وحكم الإسلام في هذه المسألة أن ما أفسدته الماشية المرسلة من مال الغير بالنهار فلا ضمان على ربها وما أفسدته بالليل ضمنه ربها لأن في عرف الناس أن أصحاب الزرع يحفظونه بالنهار والمواشي تسرح بالنهار وترد بالليل إلى المراح.
ويدل على هذه المسألة ماروى حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً لرجل من الأنصار فأفسدت فيه فقضى رسول الله ( ﷺ ) أن على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل وزاد في رواية : وإن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل، أخرجه أبو داود مرسلاً.
وذهب أصحاب الرأي أن المالك إذا لم يكن مع ماشيته فلا ضمان عليه فيما أتلفت ليلاً كان أو نهاراً، فذلك قوله تعالى :( ففهمناها سليمان ( أي علمناه وألهمناه حكم القضية ) وكلاً ( أي داود وسليمان ) آتينا حكماً وعلماً ( أي بوجوه الاجتهاد وطرق الأحكام قال الحسن لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده.
واختلف العلماء في أن حكم داود كان باجتهاده أم بنص، وكذلك حكم سليمان فقال بعضهم : حكماً بالاجتهاد.
قال : ويجوز الاجتهاد للأنبياء ليدركوا ثواب المجتهدين والعلماء لهم الاجتهاد في الحوادث إذا لم يجدوا فيها نص كتاب أو سنة وإذا أخطؤوا فلا إثم عليهم
( ق ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه سلم :( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر ) وقال قوم إن داود وسليمان حكما بالوحي فكان حكم سليمان ناسخاً لحكم داود ومن قال بهذا يقول لا يجوز للأنبياء الحكم بالاجتهاد لأنهم مستغنون عنه بالوحي، واحتج من ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب بظاهر هذه الآية وبالحديث حيث وعد الثواب للمجتهد على الخطأ، وهو قول أصحاب الرأي وذهب جماعة إلى أنه ليس كل


الصفحة التالية
Icon