صفحة رقم ٣٠٩
حتى وقف من السماء حيث كان يقف وقال : إلهي نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته عبداً أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك، ولو ابتليته بنزع ما أعطيته لحال عما هو عليه من شكرك وعبادتك ولخرج عن طاعتك، قال الله تعالى : انطلق فقد سلطتك على ماله.
فانقص عدو الله إبليس حتى وقع على الأرض فجمع عفاريت الجن ومردة الشياطين وقال لهم : ماذا عندكم من القوة فقد سلطت على مال أيوب هي المصيبة الفادحة والفتنة التي لا تصبر عليها الرجال.
فقال عفريت من الشياطين : أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصاراً من نار فأحرق كل شيء آتي عليه قال إبليس : اذهب فأن الإبل ورعاتها، فأتى الإبل حين وضعت رؤوساها ورعت فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض وإعصار من نار فأحرق الإبل ورعاتها حتى أتى على آخرها، ثم جاء عدو الله إبليس في صورة قيم ممن كانوا عليها على قعود إلى أيوب فوجده قائماً يصلي فقال يا أيوب أقبلت نار حتى غشيت إبلك وأحرقتها ومن فيها غيري، فقال أيوب بعد أن فرغ من الصلاة : الحمد لله هو أعطانيها وهو أخذها، وإنها مال الله أعارنيها وهو أولى بها، إذا شاء نزعها.
قال فتركت الناس مبهوتين يتعجبون منها، منهم من يقول : ما كان أيوب يعبد شيئاً وما كان إلا في غرور، ومنهم من يقول : لو كان إله أيوب يقدر أن يمنع شيئاً لمنع وليه، ومنهم من يقول : بل هو الذي فعل ما فعل ليشمت به عدوه ويفجع صديقه، فقال أيوب : الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني، عرياناً خرجت من بطن أمي وعرياناً أعود إلى التراب وعرياناً أحشر إلى الله عز وجل، ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك وتجزع حين قبض عاريته، الله أولى بك وبما أعطاك، ولو علم الله فيك أيها العبد خيراً لنقل روحك مع تلك الأرواح وصرت شهيداً ولكنه علم منك شراً فأخرك.
فرجع إبليس إلى أصحابه خاسئاً ذليلاً فقال : ما عندكم من القوة فاني لم أكلم قبله.
قال عفريت من الجن عندي من القوة ما إذا شئت صحت صيحة لا يسمعها ذو روح إلا خرجت روحه.
قال إبليس : فأت الغنم ورعاتها فانطلق حتى توسطها ثم صاح صيحة فتجثمت أمواتاً من عند آخرها مات رعاتها، فجاء إبليس متمثلاً بقهرمان الرعاء إلى أيوب فوجده يصلي فقال له مثل القول الأول، فرد عليه مثل الرد الأول، فرجع إبليس إلى أصحابه فقال : ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلب أيوب، فقال عفريت : عندي من القوة ما إذا شئت