صفحة رقم ٣١٥
يا أمة الله فبكت وقالت : أردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذاً على الكناسة لا أدري أضاع أم ما فعل به ؟ فقال أيوب : ما كان منك فبكت وقالت بعلي.
فقال هل تعرفينه إذا رأيتيه ؟ قالت وهل يخفى على أحد رآه ثم جعلت تنظر إليه وهي تهابه ثم قالت : أما إنه أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحاً.
قال : فإني أنا أيوب الذي أمرتني أن أذبح لإبليس، وإني أطعت الله وعصيت الشيطان ودعوت الله فرد عليَّ ما ترين.
وقال وهب : لبث أيوب في البلاء ثلاث سنين، فلما غلب أيوب إبليس ولم يستطع منه شيئاً اعترض امرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس من مراكب الناس له عظم وبهاء.
فقال لها : أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى قالت نعم.
قال : هل تعرفيني ؟ قالت لا.
قال : أنا إله الأرض وأن الذي صنعت بصاحبك ما صنعت لأنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليك وعليه كل ما كان لكما من مال وولد فإنه عندي ثم أراها إياه ببطن الوادي الذي لقيها فيه.
وفي بعض الكتب أن إبليس قال لها اسجدي لي سجدة واحدة حتى أرد عليك المال والولد وأعافي زوجك.
فرجعت إلى أيوب فأخبرته بما قال لها وما رأها.
قال : لقد أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك، ثم أقسم إن عافاه الله ليضربها مائة جلدة وقال عند ذلك : مسني الضر من طمع إبليس في سجود حرمتي له ودعائه إياها وإياي إلى الكفر.
ثم إن الله تعالى رحم رحمة امرأة أيوب بصبرها معه على البلاء وخفف عليها، وأراد أن يبر يمين أيوب، فأمره أن يأخذ ضغثاً يشتمل على مائة عود صغير فيضربها به ضربة واحدة.
وقيل : لم يدع الله بالكشف عنه حتى ظهرت له ثلاثة أشياء : أحدها : ما قيل في حقه : لو كان لك عند الله منزلة ما أصابك هذا، والثاني : أن امرأته طلبت طعاماً فلم تجد ما تطعمه فباعت ذوائبها فأتته بطعام، والثالث : قول إبليس : إني أدوايه على أن يقول أنت شفيتني.
وقيل مسني الضر أي من شماتة الأعداء حتى روي أنه قيل له بعد ما عوفي ما كان أشد عليك في بلائك ؟ قال : شماتة الأعداء.
فإن قلت كيف سماه الله صابراً وقد أظهر الشكوى والجزع بقوله مسني الضر وقوله مسني الشيطان بنصب وعذاب ؟ قلت : ليس هذا شكاية وإنما هو دعاء بدليل.
الأنبياء :( ٨٤ ) فاستجبنا له فكشفنا...
" فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين " ( قوله تعالى :( فاستجبنا له ( والشكوى إنما تكون إلى الخلق لا إلى الخالق بدليل قول يعقوب إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وقال سفيان بن عيينة : من أظهر الشكوى إلى الناس وهو راض بقضاء الله تعالى لا يكون ذلك جزعاً كما ( روي أن جبريل عليه السلام داخل على النبي ( ﷺ ) في مرضه فقال كيف تجدك ؟ قال : أجدني مغموماً وأجدني مكروباً.
وقال لعائشة حين قالت : وارأساه بل أنا


الصفحة التالية
Icon