صفحة رقم ٣٦
قبل الرسالة لم يظهروا خلاف أممهم، فلما أرسلوا إليهم أظهروا مخالفتهم ودعوا إلى الله فقالوا لهم : لتعودن في ملتنا ظناً منهم أنهم كانوا على ملتهم ثم خالفوهم وإجماع الأمة على أن الرسل من أول الأمر إنما نشؤوا على التوحيد لا يعرفون غيره ) فأوحى إليهم ربهم ( يعني أن الله تعالى أوحى إلى رسله وأنبيائه بعد هذه المخاطبات والمحاورات ) لنهلكن الظالمين ( يعني أن عاقبة أمرهم إلى الهلاك فلا تخافوهم ) ولنسكننكم الأرض من بعدهم ( يعني من بعد هلاكهم ) ذلك ( يعني ذلك الإسكان ) لمن خاف مقامي ( يعني خاف مقامه بين يدي يوم القيامة فأضاف قيام العبد إلى نفسه، لأن العرب قد تضيف أفعالها إلى أنفسها كقولهم : ندمت على ضربي إياك وندمت على ضربك مثله ) وخاف وعيد ( أي وخاف عذابي.
إبراهيم :( ١٥ - ٢٢ ) واستفتحوا وخاب كل...
" واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم " ( قوله عز وجل :( واستفتحوا ( يعني واستنصروا.
قال ابن عباس : يعني الأمم وذلك أنهم قالوا : اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا وقال مجاهد وقتادة : واستفتح الرسل على أممهم وذلك أنهم لما أيسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب ) وخاب ( يعني وخسر وقيل : هلك ) كل جبار عنيد ( والجبار في صفة الإنسان يقال لمن تجبر بنفسه بادعاء منزلة عالية لا يستحقها وهو صفة ذم في حق الإنسان، وقيل : الجبار الذي لايرى فوقه أحداً، وقيل : الجبار المتعظم في نفسه المتكبر على أقرانه والعنيد المعاند للحق ومجانبه قال مجاهد.
وقال ابن عباس : هو المعرض عن الحق.
وقال مقاتل : هو المتكبر.
وقال قتادة : هو الذي يأبى أن يقول لا إله إلا الله.
وقيل : العنيد هون المعجب بما عنده.
وقيل العنيد الذي يعاند ويخالف ) من ورائه جهنم ( يعني هي أمامه وهو صائر إليها قال أبو عبيدة : هو من الأضداد يعني أنه يقال : وراء بمعنى خلف وبمعنى أمام وقال الأخفش : هو كما يقال : هذا الأمر من ورائك يعني أنه سيأتيك ) ويسقى ( يعني في جهنم ) من ماء صديد ( وهو ما سال من الجلد واللحم من القيح جعل ذلك شراب أهل النار.
وقال محمد بن كعب القرظي : هو ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر وهو قوله ) يتجرعه ( أي يتحساه ويشربه لا بمرة واحدة بل جرعة بعد جرعة لمرارته وحرارته وكراهته ونتنه ) ولا يكاد يسيغه ( أي لا يقدر على ابتلاعه.
يقال : ساغ الشراب في الحلق إذا سهل انحداره فيه.
قال بعض المفسرين : إن يكان صلة والمعنى يتجرعه ولا يسيغه وقال صاحب الكشاف : دخلت يكاد للمبالغة يعني ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة وقال بعضهم ولا يكاد يسيغه بعد إبطاء لأن العرب تقول ما كدت أقوم أي قمت بعد إبطاء فعلى هذا كاد أصلها وليست بصلة، وقال ابن عباس : معناه لا يجيزه.
وقيل : معناه يكاد لا يسيغه ويسيغه فيغلي في جوفه.
عن أبي إمامة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله ( ﷺ ) في قوله تعالى ) ويسقى من ماء صديد يتجرعه ( قال :( يقرب إلى فيه