صفحة رقم ٤٥
) قل تمتعوا ( أي قل : يا محمد لهؤلاء الكفار تمتعوا في الدنيا أياماً قلائل ) فإن مصيركم إلى النار ( يعني في الآخرة.
قوله تعالى ) قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ( يعني يقيموا الصلاة الواجبة، وإقامتها إتمام أركانها ) وينفقوا مما رزقناهم ( قيل أراد بهذا الإنفاق إخراج الزكاة الواجبة، وقيل : أراد به جميع الإنفاق في جميع وجوه الخير والبر وحمله على العموم أولى ليدخل فيه إخراج الزكاة، والإنفاق في جميع وجوه البر ) سراً وعلانية ( يعني ينفقون أموالهم في حال السر وحال العلانية، وقيل : أراد بالسر صدقة التطوع وبالعلانية إخراج الزكاة الواجبة ) من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ( قال أبو عبيدة : البيع هنا الفداء يعني لا فداء في ذلك اليوم ) ولا خلال ( يعني ولا خلة، وهي المودة والصداقة التي تكون مخاللة بين اثنين.
وقال مقاتل : إنما هو يوم لا بيع فيه ولاشراء مخاللة ولا قرابة، إنما هي الأعمال إما أن يثاب بها أو يُعاقَب عليها.
فإن قلت كيف نفى الخلة في هذه الآية، وفي الآية التي في سورة البقرة وأثبتها في قوله ) الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ( " قلت : الآية الدالة على نفي الخلة محمولة على نفي الخلة الحاصلة، بسبب ميل الطبيعة، ورعونة النفس، والآية الدالة على حصول الخلة وثباتها محمولة على الخلة الحاصلة بسبب محبة الله ألا تراه أثبتها للمتقين فقط، ونفاها عن غيرهم.
وقيل : إن ليوم القيامة أحوالاً مختلفة، ففي بعضها يشتغل كل خليله عن خليله وفي بعضها يتعاطف الأخلاء بعضهم على بعض.
إذا كانت تلك المخالة لله في محبته.
إبراهيم :( ٣٢ - ٣٧ ) الله الذي خلق...
" الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " ( قوله عز وجل :( الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج من الثمرات رزقاً لكم ( اعلم أنه تقدم تفسير هذه الآية في مواضع كثيرة، ونذكر هاهنا بعض فوائد هذه الآية الدالة على وجود الصانع المختار القادر الذي لا يعجزه شيء أراده، فقوله تعالى : الله خلق السموات والأرض، إنما بدأ خلق السموات والأرض، لأنها أعظم المخلوقات الشاهدة الدالة على وجود الصانع الخالق القادر المختار وأنزل من السماء ماء يعني من السحاب سمي السحاب سماء لارتفاعه مشتق من السمو، وهو الارتفاع وقيل إن المطر ينزل من السماء إلى السحاب ومن السحاب إلى الأرض فأخرج به أي بذلك الماء من الثمرات رزقاً لكم، والثمر اسم يقع على ما يحصل من الشجر.
وقد يقع على الزرع أيضاً بدليل قوله : كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده وقوله : من الثمرات بيان للرزق أي أخرج به رزقاً هو الثمرات ) وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ( لما ذكر الله سبحانه وتعالى إنعامه بإنزال المطر، وأخراج الثمر لأجل الرزق والانتفاع به ذكر نعمته على عباده بتسخير السفن الجارية على الماء، لأجل الانتفاع بها في جلب ذلك الرزق الذي هو الثمرات، وغيرها من بلد إلى بلد آخر.
فهي من تمام نعمة الله على عباده ) وسخر لكم الأنهار ( يعني ذللها لكم تجرونها حيث شئتم، ولما كان ماء البحر لا ينتفع به في سقي الزروع والثمرات ولا في الشراب أيضاً ذكر نعمته على عباده في تسخير الأنهار، وتفجير العيون لأجل هذه الحاجة، فهو من أعظم نعم الله على عباده ) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ( الدأب العادة المستمرة دائماً على حالة واحدة ودأب في السير دوام عليه، والمعنى أن الله سخر الشمس والقمر، يجريان دائماً فيما يعود إلى مصالح العباد لا يفتران إلى آخر الدهر، وهو انقضاء عمر الدنيا وذهابها.
قال ابن عباس : دؤبها في طاعة الله عز وجل.
وقال بعضهم : معناه يدأبان في طاعة الله أي في مسيرهما وتأثيرهما في إزالة الظلمة وإصلاح النبات والحيوان لأن الشمس سلطان النهار وبها تعرف فصول السنة والقمر سلطان الليل، وبه يعرف انقضاء الشهور وكل ذلك بتسخير الله عز وجل، وإنعامه على عباده وتسخيره لهم ) وسخر لكم الليل والنهار ( يعني يتعاقبان في الضياء